للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: ظاهِرُ هذا الحديثِ يَشْهَدُ لِما ذهَبَ إليه الليثُ بنُ سَعْدٍ، وابنُ أبي سلمةَ (١)، إلَّا أنَّه عَمَّ كلَّ مَن بَدَّلَ دِينَه، سواءٌ وُلِد في الإسلام أو لَمْ يُولَدْ، والحديثُ عندِي فيه مُضْمَرٌ، وذلك لِما صنَعَه الصحابَةُ رضِيَ اللّهُ عنهم مِن الاسْتِتابَةِ؛ لأنَّهم لَمْ يكونوا يجْهَلون مَعْنَى الحديثِ، فكأنَّ مَعْنَى الحديثِ، واللّهُ أعلمُ: مَن بَدَّل دِينَه فاقْتُلوه إن لَمْ يَتُبْ.

وقال مالِكٌ رَحِمه اللّهُ (٢): إنَّما عَنَى بهذا الحديثِ مَن خرَج مِن الإسلام إلى الكفرِ، وأمَّا مَن خرَجَ مِن اليَهُودِيَّةِ أو النَّصْرانِيَّةِ، أو مِن كفرٍ إلى كفرٍ، فلم يُعْنَ بهذا الحديثِ. وعلى قولِ مالِكٍ هذا جماعَةُ الفقهاءِ، إلَّا أنَّ الشافعيَّ رَحِمه اللّهُ قال: إذا كان المبَدِّلُ لدِينِه مِن أهلِ الذِّمَّةِ، كان للإمام أن يُخْرِجَه مِن بَلَدِه ويُلْحِقَه بأرضِ الحرب، وجاز له اسْتِحلالُ مالِه مع أموالِ الحرْبيِّين إنْ غلَبَ على الدار؛ لأَنَّه إنَّما جعَلَ له الذِّمَّةَ على الدِّينِ الذي كان عليه في حينِ عقدِ العَهْدِ له. هكذا حكَاه المزَنيُّ وغيرُه مِن أصحابِه عنه، وهو المعروفُ مِن مَذْهَبِه (٣). وحكَى عنه محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبد الحَكَمِ: أنَّ الذِّمِّيَّ إذا خرَجَ مِن دِينٍ إلى دِينٍ، كان للإمام قتلُه؛ بظاهِرِ الحديثِ. والمشْهُورُ عنه ما قَدَّمْنا ذِكْرَه مِن رِوايَةِ المزنيِّ والربيع وغيرِهما عنه.

وقالت فِرْقَةٌ: إذا ارْتَدَّ اسْتُتِيب، فإنْ تاب قُبِل منه، ثم إنِ ارْتَدَّ فكذلك إلى الرابعةِ، ثم يُقْتَلُ ولا يُسْتَتابُ. ورُوِي عن الحسنِ أنَّه يُقْتَلُ، إلَّا أن يتوبَ قبلَ أن يُرْفَعَ إلى الإمام، وإن لَمْ يَتُبْ حتى يَصِيرَ إلى الإمام قُتِل، وكانت تَوْبَتُه بينه وبينَ الله. جعَلَه حَدًّا مِن الحُدودِ، ولا يَسَعُ الإمامَ إلَّا أن يُقِيمَه (٤).


(١) قوله: "وابن أبي سلمة" سقط من م.
(٢) في الموطّأ ٢/ ٢٧٩ بإثر الحديث (٢١٥١)، وكذا نقله عنه ابن المنذر في الأوسط ١٣/ ٤٧٨، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٥٠٢.
(٣) ينظر: مختصر المُزنيّ ٨/ ٣٨٦ - ٣٨٧.
(٤) ينظر: الأوسط لابن المنذر ١٣/ ٤٦١ - ٤٦٣ و ٥٢٥، ٥٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>