للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واخْتَلَف الفقهاءُ أيضًا في المرْتَدُّةِ؛ فقال مالكٌ، والأوْزاعيُّ، وعثمانُ البتِّيُّ، والشافعيُّ، والليثُ بنُ سعدٍ: تُقْتَلُ المرْتَدَّةُ كما يُقْتَلُ المرْتَدُّ سَواءٌ (١). وهو قولُ إبراهيمَ النَّخَعِيِّ (٢). وحُجَّتُهم ظاهِرُ هذا الحديثِ؛ لأنَّه لَمْ يَخُصَّ ذكرًا مِن أُنْثَي، و"مَن" تَصْلُحُ للواحِدِ والاثْنَيْن والجمعِ، والذَّكَرِ والأُنْثَي، وقال: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئ مسلم إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ؛ كُفْرٍ بعدَ إيمانٍ" (٣) فعَمَّ كلَّ مَن كَفَر بعدَ إيمانِه.

وقال الثوريُّ وأبو حنيفةَ وأصحابُه: لا تُقْتَلُ المرْتَدَّةُ. وهو قولُ ابنِ شُبْرُمَةً، وإليه ذهَبَ ابنُ عُلَيَّةَ. وقال ابنُ شُبْرُمَةَ: إن تَنَصَّرَتِ المسلمةُ فتَزَوَّجَها نصرانيٌّ، جاز (٤).

وحُجَّةُ مَن قال: لا تُقْتَلُ المرْتَدَّةُ: أنَّ ابنَ عباسٍ روَى هذا الحديث وقال: لا تُقْتَلُ المرْتَدَّةُ. ومَن روَى حديثًا كان أعْلَمَ بتَأْوِيلِه. وقولُ ابنِ عباسٍ في ذلك رواه الثوريُّ، وأبو حنيفةَ، عن عاصِم، عن أبي رَزِينٍ، عن ابنِ عباسٍ (٥). وروَى قتادةُ،


(١) نقل جملة هذه الأقوال عنهم ابن المنذر في الأوسط ١٣/ ٤٦٥.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١٥/ ١٧٦ (١٨٧٢٦)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٩٦٠٧) و (٢٩٦٠٨)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٢٠٣ (١٧٣٢١) من طرقٍ عن أبي معشر زياد بن كليب الكوفي عن إبراهيم النخعيّ قال: تُستَتاب، فإن تابت وإلّا قُتلت.
(٣) سيأتي تخريجه بعد قليل.
(٤) ينظر: السِّير الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني ص ٢٠٤ فيما نقله عن أبي حنيفة، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٧١ فيما نقله عن الثوريِّ وأبي يوسف وقوله: تُقتل؛ ثم رجع، ثم قال: لا تُقتل، وهو قول ابن شُبْرمة.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف (٢٩٥٩٩) من طريق وكيع عن أبي حنيفة عن عاصم، به، والدارقطني في السنن ٤/ ٢٧٥ (٣٤٥٧) و ٤/ ٢٧٦ (٣٤٥٩) الأول من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن أبي حنيفة، به عن ابن عباس في المرأة ترتد قال: "تُحبس ولا تُقتل" والثاني من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن سفيان، وقال مرّة عن أبي حنيفة، به. وقال أبو عاصم: نرى أن سفيان الثوري إنما دلَّسه عن أبي حنيفة فكتبتُهما جميعًا.
وهو عند عبد الرزاق في المصنّف ١٠/ ١٧٧ (١٨٧٣١) عن الثوري عن عاصم، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>