للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أبو يحيَى السَّاجِيُّ، قال: اختَلفَ العلماءُ في تَفْضيل مكَّة على المدينة؛ فقال الشافعيُّ: مكَّةُ خيرُ البقاع كلِّها. وهو قولُ عطاء، والمكِّيين، والكُوفيِّين. وقال مالكٌ والمدنيُّون: المدينةُ أفضلُ من مكَّة (١).

واختلفَ البغداديُّون وأهلُ البصرةِ في ذلك؛ فطائفَةٌ تقول: مكَّةُ. وطائِفَةٌ تقول: المدينة.

وقال عامةُ أهْلِ الأثَرِ والفِقْه: إن الصلاةَ في المسجدِ الحرام أفضَلُ من الصلاةِ في مسجدِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- بمئةِ صلاة. وروى يحيى بنُ يحيى، عن ابنِ نافع: أنّه سأله عن معنَى هذا الحديث، فقال: معناه: أنَّ الصلاةَ في مسجدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أفضَلُ من الصلاةِ في المسجدِ الحرام بدُونِ ألفِ صلاة، وفي سائرِ المساجدِ بألفِ صَلاة.

قال أبو عمر: أمَّا القولُ في فَضْلِ مكَّة والمدينةِ فقد مضَى منه في كتابِنا هذا ما فيه كِفايَةٌ. وأمَّا تأويلُ ابنِ نافع فبَعِيدٌ عندَ أهلِ المعرفةِ باللسان، ويلزَمُه أن يقول: إنَّ الصلاةَ في مسجدِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم- أفضَلُ من الصلاةِ في المسجدِ الحرام بتسع مئةِ ضِعْفٍ وتسْعَةٍ (٢) وتسْعِينَ ضِعْفًا. وإذا كان هكذا لم يكنْ للمسجِدِ الحرام فَضْلٌ على سائرِ المساجدِ إلّا بالجزْء اللَّطِيف، على تأويلِ ابنِ نافع، وحَسْبُكَ ضَعْفًا بقولٍ يَئُولُ إلى هذا، فإنْ حَدَّ حَدًّا في ذلك لم يكنْ لقولِه دَليلٌ ولا حُجَّةٌ، وكلُّ قولٍ لا تَعْضُدُه حُجَّةٌ ساقِطٌ.

حدَّثنا محمدُ بنُ ابراهيم، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ مُطرِّف، قال: حدَّثنا سعيدُ بنُ عثمان، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ إسماعيلَ الأيْلي، قال: حدَّثنا سفيانُ بنُ عُيينَة، عن زيَادِ بنِ سَعْد، عن ابنِ عَتِيق، قال: سمِعتُ ابنَ الزُّبَيْرِ قال: سمِعتُ عُمرَ


(١) ينظر: الأم للشافعي ١/ ٢٦٧، والمقدمات الممهدات لابن رشد ٣/ ٤٧٧.
(٢) قوله: "وتسعة" سقط من د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>