للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد احتجَّ بهذا الحديثِ مَن قال: إنَّ الطلاقَ ثلاثًا بكلِمةٍ واحدةٍ مُبَاحٌ؛ لأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُنكِرْ على العَجْلانيِّ أن طَلَّقَ امرأتَه ثلاثًا بكلِمةٍ واحدةٍ بعدَ الملاعَنةِ. واختلَفوا هل تقَعُ الثلاثُ مُجتمِعاتٍ في الطُّهْرِ للسُنَّةِ أم لا؟ وسنَذْكُرُ ذلك في حديثِ مالكٍ، عن نافِع، عن ابنِ عُمَرَ إن شاء اللهُ (١).

واختَلَف الفقهاءُ في فُرْقَةِ المتلاعِنَينِ، هل تَحْتاجُ إلى طلاقٍ أم لا؟ فقال مالكٌ وأصحابُه، والليثُ بنُ سعدٍ، وهو قولُ زُفَرَ بنِ الهذيلِ: إذا فرَغا جميعًا مِن اللِّعانِ وقَعتِ الفُرْقَةُ وإن لم يُفَرِّقِ الحاكِمُ ثم لا يجتمِعان أبدًا (٢). ومن حُجَّتِهم في أنَّ للفُرْقَةِ تأثيرًا في التِعانِ المرأةِ وجُوبُه عليها، وقياسًا على أنَّ تَفاسُخَ البيع لا يكونُ إلّا بتمام تحالُفِهما جميعًا.

وقال أبو حنيفةَ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ: لا تقَعُ الفُرْقَةُ بعدَ فَراغِهما مِن اللِّعانِ حتى يُفرِّقَ الحاكِمُ بينَهما. وهو قولُ الثوريِّ (٣)؛ لقولِ ابنِ عمرَ فَرَّق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بينَ المتلاعِنَينِ (٤). فأضاف الفُرْقَةَ إليه لا إلى اللِّعَانِ، ولقوله عليه السلامُ: "لا سَبِيلَ لك عليها" (٥).


(١) في سياق شرحه للحديث السابع والأربعين من أحاديث مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢) ينطر المدوّنة ٢/ ٣٥٥، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٣٨، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠٦.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوي ٢/ ٥٠٥، والمبسوط للسَّرخسي ٧/ ٤٣، وبدائع الصنائع للكاساني ٣/ ٢٤٤.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٧٨ (١٦٤٣) عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ومن طريقه أخرجه البخاري (٥٣١٥) و (٦٧٤٨)، ومسلم (١٤٩٤) (٨)، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في الحديث السادس والأربعين من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٥) وقع هذا في سياق حديث أخرجه البخاري (٥٣١٢) و (٥٣٥٠)، ومسلم (١٤٩٣) من حديث سعيد بن جُبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي بإسناد المصنِّف في سياق شرحه للحديث السادس والأربعين من أحاديثِ مالك عن نافع في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>