للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُجَّةُ مالكٍ أنَّ تَفْريقَه -صلى الله عليه وسلم- إنّما كان إعلامًا منه أنَّ ذلكَ شأْنُ اللِّعَانِ، ومثلُه قولُه: لا سَبِيلَ لك عليها". ومن حُجَّتِه أيضًا أنّه لما افتقَرَ اللِّعَاِن، إلى حُضورِ الحاكِم افتقَرَ إلى تَفْرِيقِه، كفُرْقَةِ العِنِّينِ. وقال الأوزَاعيُّ نحوَ قولِ مالكٍ (١).

وقال الشافعيُّ: إذا أكمَلَ الزوجُ الشهادةَ والالتِعَانَ فقد زال فِراشُ امرأتِه، التَعَنتْ أو لم تَلْتَعِنْ. قال: وإنّما التِعَانُ المرأةِ لدَرْءِ الحَدِّ لا غيرُ، وليس لالتِعانِها في زوالِ الفِراشِ معنًى، ولما كان لِعَانُ الزوج يَنفِي الوَلَدَ ويُسْقِطُ الحَدَّ، رَفَع الفِرَاشَ (٢). وقد ذكَرْنا حُجَّتَه في بابِ نافِع، عن ابنِ عمرَ، مِن كتابِنا هذا (٣)، والحمدُ لله.

وكلُّ الفقهاء مِن أهلِ المدينةِ، وسائرِ الحِجازِيِّينَ، وأهلِ الشام، وأهلِ الكوفةِ، يقولونَ: إنَّ اللِّعَانَ مُسْتَغْنٍ عن الطلاقِ، وإنَّ حُكْمَه وسُنَّته الفُرْقَةُ بينَ المُتَلاعِنَينِ. وإنما اختلافُهم الذي قدَّمْنا في أنَّ الحاكمَ يَلْزَمُه أن يُفرِّقَ بينهما، إلّا عثمانَ البتِّيَّ في أهلِ البصرةِ فإنَّه لم يرَ التلاعُنَ يَنْقُضُ شيئًا مِن عِصْمَةِ الزَّوْجَين حتى يُطَلِّق (٤). وهو قولٌ لم يتقَدَّمْه إليه أحَدٌ مِن الصحابةِ، على أنَّ البتِّيَّ قد


(١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠٥، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٣٩.
(٢) نصَّ على ذلك في الأُمّ ٥/ ٣٠٩، وينظر: مختصر المُزني ٨/ ١١٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠٥.
(٣) سيأتي في الموضع المشار إليه قبل التعليقين السابقين.
(٤) حيث قال فيما نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٥٠٥: لا أرى مُلاعنة الزَّوج امرأته يُنقص شيئًا، وأحبُّ إليَّ أن يُطلِّق.
قال ابن رشد في المقدمات الممهدات بعد أن نقل قول البتِّي ١/ ٦٣٩ في قوله: "لا يُنقص شيئًا"يعني: من العِصْمةِ.
وقال الكيا الهراسي في أحكام القرآن له ٤/ ٣٠٨ بعد أن نقل هذا القول عن البتِّي: "والذي ذكره قويّ من حيث المعنى والتوقيف، إذ ليس في كتاب الله أنه إذا لاعَنَ ولاعَنَت يجبُ وقوع الفرقة، وورد في الأخبار الصحاح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرَّق بين المتلاعنين، وألحقَ الولد بالابنِ".=

<<  <  ج: ص:  >  >>