للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استَحَبَّ للمُلاعِنِ (١) أنْ يُطَلِّقَ بعدَ اللِّعَان، ولم يستَحِبَّه قبلَ ذلك، فدلَّ على أنَّ اللِّعانَ عندَه قد أحدَثَ حُكمًا.

قال أبو عمر: معنى قولِ ابنِ شهابٍ في آخِرِ حديثِ مالكٍ: فكانت تلك سُنَّةَ المُتَلاعِنَين؛ يعني: الفُرْقَةَ بينهما إذا تَلاعَنا، لا أنّه أرادَ الطلاقَ، وذلك موجودٌ منصوصٌ عليه في حديثِ ابنِ شهابٍ، مع ما يَعضُدُه مِن الأُصولِ التي ذكرنا في هذا الكتاب.

وروى ابنُ وَهْبٍ في "مُوَطَّئِه"، قال أخبرني عِيَاضُ بنُ عبدِ الله الفِهريُّ، عن ابنِ شهابٍ، عن سهلِ بنِ سعدٍ، أنَّ عُوَيْمِرَ بنَ أشْقَرَ الأنصاريَّ أحَدَ بني العَجْلانِ جاءَ إلى عاصِم. فذكَر مثلَ حديثِ مالكٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن سهلٍ، وزادَ فيه: وكانت امرأةُ عُوَيْمِرٍ حُبْلَى، فأنكَر حملَها، وكان الغُلامُ يُدْعَى إلى أُمِّه. قال: وجَرَتِ السُّنةُ في الميراثِ أنّه يَرِثُها، وتَرِثُ عنه ما فرَضَ اللهُ للأُمِّ. قال ابنُ شهابٍ: قال عُوَيْمِرٌ عندَ ذلك: لَبِئْسَ بهذا حقًا (٢) إن أنا رُمِيتُ عندَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بكَذِبٍ. قال: فمضَتِ السُّنّة في المُتلاعِنَينِ أن يُفَرَّقَ بينهما، ولا يجتَمِعانِ أبدًا (٣).


= ونقل الطحاوي عن أبي جعفر ابن جرير الطبري قوله: "قولُ البتِّي لم نجدْهُ عن أحدٍ من أهل العلم سواهُ" ثم ذكر ما قاله ابن عبد البرِّ هنا من استحباب البتِّي للملاعن أن يطلِّق بعدَ اللِّعان. ينظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٥٠٥ - ٥٠٦.
(١) في د ١: "للمتلاعنين"، وهو خطأ ظاهر.
(٢) هكذا في النسخ، وفي تاريخ المدينة لابن شَبّة: "لبئس عبد الله إن أنا كنت"، وفي معجم الطبراني الكبير: "بئس عبد الله إن أنا كذبت".
(٣) أخرجه ابن شَبّة في تاريخ المدينة ٢/ ٣٨٦ - ٣٨٧، وأبو داود (٢٢٥٠)، وأبو عوانة في مستخرجه (٤٦٧٦)، والطحاوي في أحكام القرآن (١٩٦٨)، والطبراني في الكبير ٦/ ١١٧ (٥٦٨٤)، والدارقطني في سننه (٣٧٠٤)، والبيهقي في الكبرى ٧/ ٦٥٨ (١٥٣٢٢)، والخطيب البغدادي في الفصل للوصل المدرج في النقل ١/ ٣٠٩ من طرق عن عبد الله بن وهب، به، ووقع عند بعضهم مختصرًا. وعندهم جميعًا قوله في آخره: "فمضتِ السُّنة في المتلاعنين ... " من كلام سهل بن سعد رضي الله عنه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>