للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يذكُرْ أحَدٌ مِن أصحابِ ابنِ شهابٍ عنه، عن سَهْلِ بنِ سعدٍ في هذا الحديثِ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فرَّقَ بينَ المتلاعِنَينِ غيرُ ابنِ عُيينةَ وحدَه، وهو محفوظٌ مِن حديثِ ابنِ عمرَ (١). ويقولون: إنّه لم يقلْ أحَدٌ في حديثِ ابنِ عمرَ: وألحَق الولدَ بأُمِّه، إلّا مالكُ بنُ أنسٍ. وسنذكُرُ حديثَه في بابِ نافع مِن كتابِنا هذا إن شاء الله.

واختلفوا في الزوج إذا أبَى مِن الالتِعانِ؛ فقال أبو حنيفةَ: لا حَدَّ عليه؛ لأنَّ اللّهَ جعلَ على الأجنبيِّ الحدَّ، وعلى الزوج اللِّعانَ، فلمّا لم يَنتَقِل اللِّعانُ إلى الأجنَبِيِّ، لم يَنتَقِل الحَدُّ إلى الزوج، ويُسجَنُ أبدًا حتى يُلاعِنَ؛ لأنَّ الحُدُودَ لا تُؤخَذُ قياسًا (٢).

وقال مالكٌ، والشافعيُّ، وجُمهورُ الفقهاء: إن لم يَلْتَعِنِ الزوجُ حُدَّ؛ لأنَّ اللِّعانَ له براءةٌ، كما الشُّهودُ للأجنبيِّ، وإن لم يأتِ الأجنبيُّ (٣) بأربعَةِ شُهَداءَ حُدَّ، فكذلك الزوجُ إن لم يَلْتعِنْ حُدَّ. وجائزٌ عندَ مَن احتَجَّ بهذه الحجَّةِ القِياسُ في الحدُودِ (٤).


(١) وقال أبو داود عقب (٢٢٥١): "لم يتابع ابن عيينة أحد على أنه فرق بين المتلاعنين". وقال الدارقطني في الإلزامات والتتبُّع ص ٢٠٠ (٦٩): وأخرج البخاري من حديث ابن عيينة عن الزُّهري عن سهل: فرَّق بين المتلاعنين. وهذا ممّا وهِمَ فيه ابن عيينة من أصحاب الزُّهري. قالوا: فطلَّقها قبل أن يأمره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فكان فراقه إياها سُنّةً. ولم يَقُلْ أحدٌ منهم أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فرَّق بينهما.
(٢) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠٩، والمبسوط للسرخسي ٧/ ٣٩، وبدائع الصنائع للكاساني ٣/ ٢٣٨.
(٣) قوله: "الأجنبي" لم يرد في د ١.
(٤) ينظر: المدونة ٤/ ٤٨٢، والذخيرة للقرافي ٤/ ٢٩٢، والأمّ للشافعيّ ٥/ ٣٠٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٥٠٩، وبداية المجتهد لابن رشد ٣/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>