للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنَّ العلَّةَ في الذَّهبِ والورقَ أنَّهما أثمانُ المبيعاتِ، وقِيَمُ المتلفاتِ، وليس كذلك شيءٌ مِن الموزوناتِ؛ لأنّه جائزٌ أن تُسْلِمَ ما شئت مِن الذَّهبِ والورقِ فيما عداهما مِن سائرِ الموزوناتِ، ولا يُسْلَمُ بعضُها في بعضٍ، فبطَل قياسُها عليهما، وردُّها إليهما (١).

قال: وأمَّا البُرُّ والتَّمرُ والشَّعيرُ، فالعلَّةُ عندي فيهما الأكلُ لا الكيلُ؛ فكلّ مأكولٍ أخضرَ كان أو يابسًا، ممَّا يُدَّخرُ كان أو ممَّا لا يُدَّخرُ، فغيرُ جائزٍ بيعُ الجنسِ منه بعضِه ببعضٍ، متفاضلًا ولا نساءً، وحرامٌ فيه التَّفاضلُ والنَّساءُ جميعًا؛ قياسًا على البُرِّ بعضِه ببعضٍ، وعلى الشَّعيرِ بعضِه ببعضٍ (٢)، وعلى التَّمرِ بعضِه ببعضٍ، لا يجوزُ ذلك في واحدٍ منهما بالإجماع والسُّنَّةِ الثَّابتةِ.

قال: وأمَّا إذا اختلَف الجنسانِ مِن المأكولِ فجائزٌ حينئذٍ فيهما التَّفاضلُ، وحرامٌ فيهما النَّساءُ. وحجَّتُه في ذلك نهيُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطَّعام بالطَّعام، إلّا يدًا بيدٍ. وأمّا أصحابُنا مِن عصرِ إسماعيلَ بنِ إسحاقَ إلى هَلُمَّ جَرًّا، ومَن قبلَهم مِن أصحابِ مالكٍ، وأصحابِ أصحابِه، فالذي حصَل عندي مِن تعليلِهم لهذه المذكوراتِ -بعدَ اختلافِهم في شيءٍ مِن العباراتِ عن ذلك- أنَّ الذَّهبَ والورقَ القولُ فيهما عندَهم (٣) كالقولِ عندَ الشَّافعيِّ؛ لا يُردُّ إليهما شيءٌ مِن الموزوناتِ؛ لأنَّهما قيَمُ المتلَفاتِ وأثمانُ المبيعاتِ، ولاشيءَ غيرَهما كذلك، فارتفعَ القياسُ عنهما، لارتفاع العلَّةِ؛ إذ القياسُ لا يكونُ عندَ جماعةِ القياسيِّين إلّا على العللِ، لا على الأسماءِ. وعلَّلوا البُرَّ والتَّمرَ والشَّعيرَ بأنَّها مأكولاتٌ مُدَّخَراتٌ أقواتٌ، فكلُّ ما كان قُوتًا مُدَّخرًا، حرُم التَّفاضلُ والنَّساءُ في الجنسِ


(١) ينظر: الأمّ للشافعيّ ٣/ ٣٠، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ١٦.
(٢) قوله: "وعلى التمر بعضه ببعض" لم يرد في د ١.
(٣) قوله: "عندهم" لم يرد في د ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>