للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قولِ أبي هريرةَ: "ما ذعَرتُها" دليلٌ على أنّه لا يجوزُ تَرويعُ الصَّيدِ في حَرَم المدينةِ، كما لا يجوزُ تَرويعُه في الحَرَم. واللهُ أعلمُ.

وكذلك نَزْعُ زيدِ بنِ ثابتٍ مِن يَدِ الرجلِ النُّهَسَ (١) -وهو طائِرٌ كان صَادَه بالمدينةِ- دليلٌ على أنَّ الصحابةَ فَهِموا مُرادَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في تحريمِه صَيدَ المدينةِ، فلم يُجيزوا فيها الاصطيادَ، ولا تَمَلُّكَ ما يُصْطَادُ، ولذلك نزَعَ زيدٌ النُّهَسَ وسرَّحَه مِن يدِ صائدِه. يُقالُ: إنَّ ذلك الرَّجُلَ شُرَحْبِيلُ بنُ سَعْد.

وقال ابنُ مَهْدِيٍّ، عن مالكٍ: حَرَمُ المدينةِ بَرِيدٌ في بَرِيدٍ (٢). يعني: مِنَ الشَّجَر (٣). قال: واللابَتانِ هما الحَرَّتانِ. وقال ابنُ حبيبٍ: اللابةُ الحرَّةُ، وهي الأرضُ التي أُلبِستِ الحجارةَ السُّودَ الجُرْدَ، وجَمع اللابَةِ لاباتٌ، فإذا كثُرَتْ جِدًّا فهي لُوَبٌ. قال: وتحريمُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ما بينَ لابَتَي المدينةِ (٤) إنّما يعني في الصَّيدِ، فأمَّا في قَطع الشجرِ، فبريدٌ في بريدٍ. ودُورُ المدينةِ (٥) كلِّها محرمٌ، كذلك أخبرني مُطرفٌ عن مالكٍ وعمرَ بنِ عبدِ العزيز. فقولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما بين لابَتيْها". يعني:


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٤٦٨ (٢٦٠٢) عن رجلٍ قال: دَخَل عليَّ زيدُ بن ثابت وأنا بالأسواق (موضع بالمدينة) وقد اصطدتُ نُهَسًا، فأخذَه من يدي فأرسلَه.
(٢) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (٥١٠) من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن الزُّهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة؛ فذكر حديث هذا الباب، ثم قال: قال مالك: حَرُم المدينة بريدٌ في بريد، واللابتان من الشجر، وهما الحَرّتان.
وقال ابن قدامة في المغني ٣/ ٣٢٤: "قال أحمد: ما بين لابتَيها حرامٌ، بريدٌ في بريد؛ كذا فسَّره مالكُ بن أنسٍ". والبريد: فرسخان واثنا عشر ميلًا. وقيل: أربعة فراسخ. ينظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية لعمر بن محمد النسفي ص ١٢ (ب ر د).
(٣) شبه الجملة لم يرد في د ١.
(٤) قوله: "المدينة" لم يرد في د ١.
(٥) أي: مُحيطها. والدُّورُ: جمع دارة: وهو كلُّ موضع يُدار به شيءٌ يَحجُزه. ينظر: العين للخليل بن أحمد ٨/ ٥٧ (باب الدال والراء).

<<  <  ج: ص:  >  >>