للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرَّتَيها؛ الشرقيةَ والغربيةَ، وهي حِرارٌ أربعٌ، لكنَّ القِبليةَ والجوفيةَ متصلَتان بها، وقد ردَّها حسانُ بنُ ثابتٍ إلى حَرَّةٍ واحدةٍ لاتِّصالها، فقال (١):

لنا حَرَّةٌ مأْطُورَةٌ بجِبالِها ... بَنَى العِزُّ فيها بيتَه فتأثَّلا

قال: وقولُه: "مأطُورَةٌ بجِبَالها" يعني: معطوفةً بجِبالها؛ لاستدارَةِ الجبالِ بها، وإنَّما جِبالُها: تلك الحجارةُ السودُ التي تُسمَّى الحِرارَ.

قال أبو عمر: وكذلك فَسَّرَ ابنُ وَهْبٍ "ما بينَ لابَتَيْها". قال: ما بينَ حرَّتَيْها. قال: وهو قولُ مالكٍ. قال ابنُ وَهْبٍ: وهذا الذي حَرَّمَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، إنّما هو في قتلِ الصَّيدِ. قيل لابنِ وَهْبٍ: فما حرَّمَه فيها في قطع الشجرِ؟ قال: حَدُّ ذلك بَرِيدٌ في بَرِيدٍ (٢)، بلَغَني ذلك عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ. وقال ابنُ نافع: اللَّابتان هما الحرتَانِ؛ إحداهما التي يَنزِلُ بها الحاجُّ إذا رجعوا مِن مكةَ، وهي بغربيِّ المدينةِ، والأُخْرَى ممَّا يَلِيها مِن شَرْقيِّ المدينةِ. قال: فما بينَ هاتَينِ الحرَّيتنِ حَرامٌ أن يُصادَ فيها طيرٌ أو صَيدٌ. قال ابنُ نافع: وحرَّةٌ أُخرى ممَّا يلي قبلةَ المدينةِ، وحرَّةٌ رابعةٌ مِن جِهَةِ الجوفِ، فما بينَ هذِه الحِرَارِ كُلِّها في الدُّورِ محرَّمٌ أن يُصادَ فيها، ومَن فعَل ذلك أثِم، ولم يكنْ عليه جزاءُ ما صادَه كما يكونُ عليه في حَرَم مكةَ إذا صادَ فيه.

وجُملةُ مذهَبِ مالكٍ، والشافعيِّ، في صَيدِ المدينةِ وقطع شجرِها، أن ذلك مكروهٌ ولا جَزاءَ فيه. وقال مالكٌ: لا يُقتلُ الجرادُ في حَرَم المدينةِ. وكان يَكْرَهُ


(١) ديوانه، ص ٢٧٥. وقوله: "فتأثَّلا" التأثُّل: التأصُّل، وكلُّ شيءٍ له أصلٌ قديم، أو جُمع حتى يصير له أصلٌ فهو مؤثَّل. قاله الأزهري في تهذيب اللغة ١٥/ ٩٥ (باب الثاء واللام). وفي ديوان حسان بلفظ "فتأهّلا"، ومثله في منتهى الطلب من أشعار العرب لمحمد بن المبارك البغدادي، ص ٢٧٣.
(٢) أخرجه أبو عوانة كما في إتحاف المهرة ١٤/ ٧٨٠، قال: "فيه: عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك، به، وفيه قول مالك: حَرُم المدينة بريد في بريد".

<<  <  ج: ص:  >  >>