للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحاديثُ في المساقاةِ متواترةٌ، والمساقاةُ عندَ مالكٍ والشافعيِّ جائزةٌ سنينَ؛ لأنَّ المُساقاةَ لمّا انعقدَتْ فيما لم يُخلَقْ مِن الثمرةِ في عام، كان كذلك ما بعدَه مِن الأعوام ما لم يطُلْ، على حسَبِ ما ذكرناه فيما تقدَّمَ مِن هذا البابِ (١). وقد أجمَعوا على أنّه لا تجوزُ المساقاةُ في ثمرٍ قد بدا صلاحُه؛ لأنّه يجوزُ بيعُه، إلّا قولةً عن الشافعيِّ وفرقةٍ، والمشهورُ عن الشافعيِّ أنَّ ذلك لا يجوز (٢).

وأجمعوا على أنّه لا تجوزُ المساقاةُ إلّا على جزءٍ معلومِ، قلَّ أو كثُرَ، واختلَفوا فيما تجوز فيه المساقاةُ؛ فقال مالكٌ: تجوزُ المساقاةُ في كلِّ أصلٍ، نحوَ النَّخل، والرُّمَّانِ، والتِّينِ، والفِرسِكِ (٣)، والعنبِ، والوردِ، والياسمينِ، والزيتونِ، وكَلِّ ما له أصلٌ ثابتٌ يبقى. قال: ولا تجوزُ المساقاةُ في كلِّ ما يُجْنَى ثم يخلُفُ، نحوَ القصبِ، والبقولِ، والموزِ؛ لأنَّ بيعَ ذلك جائزٌ، وبيعَ ما يجنَى بعدَه. وقال مالكٌ: كان بياضُ خيبرَ يسيرًا بينَ أضعافِ سوادِها، فإذا كان البياضُ قليلًا فلا بأسَ أنْ يزرَعَه العاملُ مِن عندِه. قال ابنُ القاسم: فما نبَت منه، كان بينَ المُساقِين على حسَبِ شرِكتِهما في المساقاةِ. قال: وأَحَلُّ ذلك أن يُلْغَى البياضُ اليسيرُ في المساقاةِ للعاملِ، فيزرَعَه لنفسِه، فما نبَت من شيءٍ كان له، وهو قولُ مالكٍ. وقدرُ اليسيرِ أنْ يكونَ قدرَ الثُّلثِ مِن السوادِ. قال مالكٌ: وتجوزُ المساقاةُ في الزرع إذا استقلَّ، وعجَز صاحبُه عن سقيِه، ولا تجوزُ مُساقاةٌ إلّا في هذه الحالِ بعدَ عجزِ صاحبِه عن سقيِه. قال مالكٌ: ولا بأسَ بمُساقاةِ القثَّاءِ والبِطِّيخ إذا عجَز عنه


(١) وينظر: المدوّنة ٣/ ٥٧٦، والأُمّ للشافعيّ ٤/ ١٠ - ١٢، ومختصر المُزني ٨/ ٢٢٣.
(٢) قال في الأمّ ٤/ ١١: "ولا تجوز المُساقاةُ في شيءٍ غير النَّخل والكَرم، وهي في الزَّرع أبعدُ من أن تجوز".
(٣) والفِرْسِك: مثل الخوخ في القَدْر إلّا أنّه أجرد أملس، أحمرُ أو أصفر، "تهذيب اللغة للأزهري" ١٠/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>