للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اسْتَدلَّ بعضُ أصحابِنا وغيرُهم من هذا الحديث بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والمعْدِنُ جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُس" على أنَّ الحُكْمَ في زكاةِ المعادِنِ غيرُ الحُكْمِ في الرِّكاز؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قد فصَلَ بينَ المعادِنِ والرِّكاز بالواو الفاصلة، ولو كان المعدِنُ والرِّكازُ حُكْمُهما سواءً لقال - صلى الله عليه وسلم -: والمَعدِنُ جُبَارٌ، وفيه الخُمُسُ. فلمّا قال: "العَجماءُ جَرْحُها جُبَارٌ، والبئرُ جُبَارٌ، والمعدِنُ جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ"، عُلِم أنَّ حُكمَ الرِّكازِ غيرُ حُكم المعدِنِ فيما وُجِد منه (١)، والله أعلمُ. وقد استدَلَّ قومٌ بما ذكَرنا، وفي ذلك عندي نَظَرٌ.

وقد اختَلَف الفقهاءُ فيما يؤخَذُ من المعادن؛ فقال أبو حنيفة وأصحابُه: فيما خرَج من المعادنِ من الذَّهبِ والفِضَّةِ والحديدِ والنُّحاسِ والرَّصاص الخُمُسُ (٢)، وما كان في المعدِنِ من الذَّهبِ والفِضَّةِ بعدَ إخراج الخُمُسِ اعتَبر كلُّ واحدٍ فيما حصَل بيَدِه ما يجبُ فيه الزكاةُ، فزكَّاه لتمامِ الحولِ إن أتَى عليه - وهو نِصَابٌ عندَه - الحولُ، هذا إذا لم يكن معه ذهبٌ أو فضَّةٌ وجَبَت فيه الزكاةُ، وإن كان عندَه من ذلك ما تجِبُ فيه الزكاةُ، ضَمَّه إلى ذلك وزَكَّاه. وكذلك عندَهم كلُّ فائدَةٍ تُضَمُّ في الحولِ إلى النِّصابِ من جنسِها، وتُزَكَّى بحولِ الأصل، وهو قولُ الثوريِّ. قالوا: وكلُّ ما ارتَكَز بالأرضِ من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو غيرهما من الجواهر، فهو رِكازٌ وفيه الخُمُسُ، في قليلِه وكثيرِه (٣)، على ظاهِرِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي الرِّكازِ الخُمُسُ". وقال الأوزاعيُّ: في ذَهَبِ المعدِنِ وفِضَّتِه الخُمُسُ، ولا شيءَ - فيما يَخْرُجُ منه (٤) -


(١) انظر: شرح ابن بطال على البخاري ٣/ ٥٥٥.
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٥٧.
(٣) انظر: اختلاف الأئمة العلماء لابن هبيرة ١/ ٢٠٦.
(٤) قوله: "فيما يخرج منه" سقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>