للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إنَّ الأحاديثَ الموجبةَ للشفعةِ للجارِ وغيرِه، فيها زيادةُ حكم على حديثِ ابن شهابٍ هذا، فيجِبُ المصيرُ إليها. قيل له: قد عارَضَها حديثُ ابنِ شهابٍ؛ لأنَّه ينفي الشُّفْعَةَ بقولِه: "الشُّفْعَةُ في كلِّ شِركٍ لم يُقْسَمْ". فأوجَب الشُّفْعَة في المشاع، وأبطَلها في المقسوم. وإذا حصلتِ الآثارُ في هذا الباب متعارضةً متدافعةً، سقَطت عندَ النَّظَر، ووجَب الرجوعُ إلى الأصول، وأصولُ السُّنَنِ كلِّها والكتابُ يشهَدُ أنَّه لا يحِلُّ إخراجُ مِلْكٍ من يدٍ قد ملَكَتْه ملكًا صحيحًا إلّا بحجةٍ لا معارِضَ لها، والمشتَري شراءً صحيحًا قد ملَك ملكًا تامًّا، فكيف يُؤخَذُ مالُه بغيرِ طيبِ نفسٍ منه دونَ حُجَّةٍ قاطعةٍ يجبُ التسليمُ لها؟

وهذا الذي احتجَجْنا له، كلُّه قولُ مالكٍ، وأهلِ المدينة، والشافعيِّ وأصحابِه، وعامّة أهلِ الأثر (١)، إلّا أنَّ أصحابَ مالكٍ اختلَفوا في الشُّفْعَةِ في الثمرةِ إذا بِيعَتْ حِصَّةٌ منها دونَ الأصل، فأوجَب الشُّفْعَةَ للشَّريك فيها ابنُ وَهْبٍ، وابنُ القاسم، وأشهبُ، وروَوْه عن مالكٍ. وقال المغيرةُ، وعبدُ الملكِ بنُ الماجشون، وابنُ أبي حازم، وابنُ دينار: لا شُفْعَةَ فيها. وروَوْه عن مالكٍ أيضًا (٢)، وهو قولُ أكثرِ أهلِ المدينة، وهو مذهبُ الشافعيِّ (٣)، وأحمدَ بن حنبل (٤)، وداودَ بن عليٍّ (٥)، وأهل النظرِ والأثر، وهو الصحيحُ عندي، وبالله التوفيق.

وقد حكَى ابنُ القاسم، عن مالك، أنَّه قال: ما أعلَمُ أحدًا قبلي أوجَب الشُّفْعَةَ في الثمرة (٦). وحسبُكَ بهذا. ولا خلافَ عن مالكٍ وأصحابه أنَّهم لا


(١) معالم السنن للخطابي ٣/ ١٥٦، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٤٠.
(٢) انظر: المنتقى لأبي الوليد الباجي ٦/ ٢٠١.
(٣) انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني ٧/ ١٠٠.
(٤) المغني لابن قدامة ٥/ ٢٣٢.
(٥) انظر: المحلى لابن حزم ٨/ ٣.
(٦) المدونة ٤/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>