للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: هذه الأشياءُ عندَ مَن أوجَب الشُّفْعَةَ فيها، من جنس الأُصولِ التي قُصِدَتْ بإيجابِ الشُّفْعَةِ فيها. قال: وجرَى ذكرُ الحدودِ في ذلك؛ لأنّه الأغلبُ فيها، وما لا تأخُذُه الحدودُ منها فتبعٌ لها، حكمُه حكمُها. ومَن لم يُوجِبِ الشُّفْعَةَ في البئرِ والعينِ التي قد قُسِمَ البياضُ الذي يُسْقَى منها، ثم نبعتِ العينُ بعدَ ذلك، وفي فحلِ النخلِ، فمن حُجَّتِه أن ذلك ليس ممّا تأخذُهُ الحدودُ. إلا أنَّه يدخُلُ على قائل هذه المقالةِ تناقضٌ في إيجابِه الشُّفْعَةَ في الثمرةِ والكراء، وتناقُضٌ آخر في نفي الشُّفْعَةِ عن عَرَصةِ الدار. ولهذه المسائل وُجوهٌ يدخُلُ عليها الاعتراضاتُ يطولُ الكتابُ بذكرِها.

واختلَف أصحابُ مالكٍ أيضًا في الرجلِ يبيعُ دينًا له على رجلٍ؛ هل يكونُ المِدْيانُ أحقَّ به أم لا (١)؟ ورُوِيَتْ بإجازةِ ذلك آثارٌ عن بعض السَّلف من أهلِ المدينة، أنَّ الذي عليه الدَّينُ أحقُّ به (٢). وهذا عندي ليس من باب الشُّفْعَةِ في شيءٍ، وإنَّما هو من باب: "لا ضررَ ولا ضرارَ" (٣). وإن كان المشتري كالبائع في حسن التقاضي والبعدِ من الأذَى والجَوْر، فلا قولَ للمدينِ في ذلك. وإلى هذا ذهَب إسماعيلُ بنُ إسحاقَ، وهو الصحيحُ في النظر، وذكرُ الشُّفْعَة في الدَّين مجازٌ؛ لأنَّه محالٌ أنْ تجِبَ الشُّفْعَةُ فيما لا يُقسَمُ من الأصولِ الثابتةِ عندَ جمهورِ علماءِ المسلمينَ، والأصلُ في هذا الباب حديثُ ابنِ شهابٍ المذكورُ، وهو ينفي الشُّفْعَةَ في كلِّ ما لا يجوزُ فيه القسمةُ بضربِ الحدودِ من


(١) انظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي ٦/ ٢٢١، والبيان والتحصيل لابن رشد ١٥/ ٢٢٥.
(٢) انظر: مصنَّف عبد الرزاق ٨/ ٨٨ (١٤٤٣١) و (١٤٤٣٢) و (١٤٤٣٣).
(٣) هذا نص حديث عند مالك في الموطأ ٢/ ٢٩٠ (٢١٧١) عن يحيى بن عمارة المازني مرسلًا، ومعناه صحيح في الأصول كما بيّن ذلك ابن عبد البر عند شرحه له.

<<  <  ج: ص:  >  >>