للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: رأيتُ أبا هريرةَ يُكبِّرُ هذا التكبيرَ الذي ترَك الناسُ، فقلتُ: يا أبا هريرةَ، ما هذا التكبيرُ؟ فقال: إنَّها لصلاةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (١).

وهذا يدلُّك على أنَّ التكبيرَ في كلِّ خفضٍ ورفعٍ كان الناسُ قد ترَكُوه على ما قدَّمنا إلى عهدِ أبي سلمةَ، وفي تركِ الناس له من غيرِ نكيرٍ من واحدٍ منهم ما يدلُّ على أنَّ الأمرَ عندَهم محمولٌ على الإباحة، وأنَّ تركَ التكبيرِ لا تَفسُدُ به الصلاةُ في غيرِ الإحرام. وروَى ابنُ وَهْبٍ، قال: أخبَرني عياضُ بنُ عبدِ الله الفِهْرِيُّ، أنَّ عبدَ الله بنَ عمرَ كان يقولُ: لكلِّ شيءٍ زينةٌ، وزينةُ الصلاةِ التكبيرُ ورفعُ الأيدي فيها (٢). وهذا أيضًا يدلُّ على أنَّ التكبيرَ ليس من صُلبِ الصلاةِ عندَ ابن عمرَ؛ لأنّه شبَّهَه برفعِ اليدين، وقال: هو من زينةِ الصلاة. وكان عبدُ الله بنُ عمرَ يُكبِّرُ في كُلِّ خفضٍ ورفع. وهذا يَدُلُّ على ما قلنا: إنَّه سُنّةٌ وفضلٌ، وزينةٌ للصلاة، لا ينبغي تركُه. وكذلك يقولُ جماعةُ فُقهاءِ الأمصار؛ أبو حنيفةَ فيمنِ اتَّبعَه، والشافعيُّ فيمن سلَك مذهبَه، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وداودُ، والطبريُّ، وسائرُ أهلِ الحديثِ وأهلِ الظاهر، كلُّهم يأمرونَ به ويفعَلونَه (٣)، فإنْ ترَكه تارك عندَهم بعدَ أنْ يُحرِمَ لم تَفسُدْ


(١) أخرجه مسلم (٣٩٢) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، بهذا الإسناد. دون قوله: التكبير الذي ترك الناس، لكن يدل على ترك الناس له حديث سعيد بن سمعان عن أبي هريرة الذي تقدم عند ابن عبد البر قريبًا.
(٢) سيعيده ابن عبد البر عند شرح حديث سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه الذي في الموطأ ١/ ١٢٤ (١٩٦)، لكنه نسبه إلى أبي بكر الأثرم، وأنه رواه عن علي بن أحمد بن القاسم الباهلي، عن عبد الله بن وهب، به.
وقد روي مثله عن النعمان بن أبي عياش عند البخاري في رفع اليدين (٥٨).
(٣) لكن بعضهم يسميه سنة، وبعضهم يسميه فرضًا مع كونه لا يوجب تركه بطلان الصلاة.
انظر: بيان ذلك في شرح البخاري لابن رجب ٧/ ١٤١ - ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>