للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفظُه ذلك مِلْكَه عن رقَبَةِ ما أعْمَرَه. وقال بعضُهم: لم يَزُلْ مِلْكُه عن رقَبَةِ ماله بهذا اللفظ. والواجبُ بحَقِّ النظرِ ألَّا يَزُولَ مِلْكُه إلَّا بيَقينٍ، وهو الإجماعُ؛ لأنَّ الاختلافَ لا يَثبُتُ به يَقِينٌ (١)، وقد ثبَت أنَّ الأعمالَ بالنِّيَّات، وهذا الرجلُ لم يَنْوِ بلَفْظِه ذلك إخراجَ شيءٍ عن مِلْكِه، وقد اشتَرَط فيه شَرطًا، فهو على شَرطِه؛ لقولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمونَ على شُروطِهم" (٢).

قال أبو عُمر: نحنُ نذكُرُ اختلافَ الفقهاء في هذا البابِ على شَرطِنا في هذا الكتابِ، لنُبيِّنَ بذلك موضِعَ الصوابِ، وبالله التوفيقُ.

فأمَّا مالكٌ رحِمه اللهُ، فقد ذكرنا أن العُمْرى والسُّكْنَى عندَه سواءٌ. وهو قولُ الليثِ، وقول القاسم بنِ محمدٍ، ويزيدَ بنِ قُسَيط (٣).

قال مالكٌ: فإذا أعمَرَه حياتَه، وأسكنَه حياتَه، فهو شيءٌ واحدٌ، فإن أرادَ المُعمَرُ أن يُكرِيَها، فإنَّه يُكْريها قليلًا قليلًا، ولا يُبْعِدُ الكِرَاء. قال: وللمُعْمَرِ أن يَبِيعَ منافِعَ الدَّارِ وسُكْناه فيها من الذي أعمَرَه، ولا يَبِيعُها من غيرِه (٤). وقال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وأصحابُهما، وهو قولُ الثوريِّ، والحسنِ بنِ حيٍّ، وابنِ شُبْرُمَةَ، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وأبي عُبيدٍ: العُمْرَى بهذا اللفظِ هبةٌ مَبتُوتَةٌ، يَمْلِكُها المُعمَرُ مِلكًا تامًّا؛ رقَبَتَها، ومَنافِعَها (٥). واشتَرطوا فيها القَبْضَ على أُصولِهم في الهِبَاتِ. قالوا: ومَن أعمَرَ رجلًا شيئًا في حياتِه، فهو له حياتَه، وبعدَ وفاتِه لورَثَتِه؛


(١) انظر شرح البخاري لابن بطال ٧/ ١٤٣.
(٢) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٣) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ٦٨ - ٦٩، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٤٦، والمحلى لابن حزم ٨/ ١٣١.
(٤) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٤٦.
(٥) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ٦٨، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>