للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما تقدَّم، لاحْتِمالِه أن يكونَ أراد الحقَّ الذي لا تقصيرَ فيه عن (١) أعْلَى مَراتبِ الحقِّ وإن كان ما دُونَه حقًّا. فصَحَّ بهذا كلِّه مذهبُ مالكٍ، والثوريِّ، والشافعيِّ، ومَن قال بقولِهم في أستِحبابِ تَرْكِ التفضيلِ بينَ الأبناء في العَطِيَّةِ، وإمضائِه إذا وقَع؛ لأنَّ غايةَ (٢) ما في ذلك تركُ الأفْضَلِ، كما لو أعطَى لغيرِ رَحِمِه وترَكَ رَحِمَه، كان مُقَصِّرًا عن الحقِّ، وتارِكًا للأفضَلِ، ونَفَذَ مع ذلك فِعْلُه، على أنَّ حديثَ جابرٍ يدُلُّ على أنَّ مُشاوَرَةَ بَشيرِ بنِ سعدٍ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصَّةِ إنَّما كانت قبلَ الهِبَةِ، فدلَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على الأوْلَى به، والأوْكَدِ عليه، وما فيه الفضلُ له.

وحديثُ جابرٍ هذا حدَّثَنيه سعيدُ بنُ نصرٍ، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا ابنُ وضَّاح، قال: حدَّثنا أبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الله، قال: حدَّثنا زهيرٌ، قال: حدَّثنا أبو الزبيرِ، عن جابرٍ، قال: قالتِ امرأةُ بَشيرٍ: انْحَلِ ابنَكَ غُلامًا، وأشهِدْ لي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنَّ ابنَةَ فُلانٍ سألتني أن أنْحُلَ ابنَها غلامًا، وقالت: أشهِدْ لي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "أله إخوَةٌ؟ ". قال: نعم. قال: "وكُلَّهم أعطَيتَه؟ ". فقال: لا. فقال: "ليس يَصلُحُ هذا، وإنِّي لا أشهَدُ إلَّا على حَقٍّ" (٣).

وذكَر الطحاويُّ (٤) هذا الخبَرَ، ثم قال: حديثُ جابرٍ أوْلَى من حديثِ النعمانِ بنِ بَشيرٍ؛ لأنَّ جابرًا أحفَظُ لهذا المعنى، وأضبَطُ له؛ لأنَّ النعمانَ كان صغيرًا قال: وفي حديثِ جابرٍ أنَّ بَشِيرَ بنَ سعدٍ ذكَر ذلك لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أن يَهَبَ، فأخبَره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بأجمَلِ الأُمورِ وأوْلَاها.


(١) في الأصل: "على".
(٢) "غاية" لم ترد في الأصل.
(٣) أخرجه مسلم (١٦٢٤) عن أحمد بن عبد الله بن يونس، بهذا الإسناد.
(٤) في شرح مشكل الآثار (٥٠٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>