للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِحْلَةٍ (١)، إلَّا أنْ يَبلُغَ مَبلَغَ (٢) القبضِ لنفسِه ببُلُوغِه ورُشدِه فلا يَقْبِضَ تلك الهِبَةَ بما يُقْبَضُ به مِثلُها، وتتمادَى في يَدِ الأبِ كما كانت حتى يموتَ، فإن كان كذلك، بطَلَت حنيئذٍ الهِبَةُ عندَ مالكٍ وأصحابِه (٣). فإذا بلَغ الابنُ رُشدًا، ومنَعه الأبُ منها، كان له مُطالَبتُه بها عندَهم حتى يَقبِضَها وَيحُوزَها لنفسِه، فإن ادَّعَى الأبُ أنَّه رجَع فيها، ولم يكنْ على الابنِ دَينٌ يَمنَعُ من رُجوعِه، كان ذلك له في الهِبَةِ، إذا لم يقُلْ فيها: إنَّها لله. فإن قال: إنَّها لله، كانت كالصدقةِ، ولا رُجوعَ له فيها، وأُجبِرَ على تَسليمِها إلى ابنِه إذا بلَغ رَشِيدًا (٤). هذا كلُّه قولُ مالكٍ وأصحابِه (٥). وقد مضَى قولُ الشافعيِّ وغيرِه في ذلك. قال مالكٌ: وإذا وهَب لابنِه دنانيرَ أو دراهمَ، فأخرَجَها عن نفسِه إلى غيرِه، وعَيّنها، وجعَلها لابنِه على يَدِ غيرِه، فهي جائزةٌ نافذَةٌ، إذا مات الأبُ وفي حياتِه، بحيازةِ القابضِ لها للابنِ (٦).

واختَلَف أصحابُ مالكٍ إذا وهَب لابنِه الصَّغيرِ دنانِيرَ أو دَراهمَ، فيجعَلُها في ظرفٍ معلومٍ، ويَختِمُ عليها، وتُوجدُ عندَه مَختُومًا عليها؛ فروَى ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ، أنَّها لا تجوزُ إلَّا أن يُخرِجَها عن يَدِه إلى غيرِه، وسواءٌ طبَع عليها أو لم يطبَعْ، لا تجوزُ حتى يُخرِجَها إلى غبره.

وقال ابنُ الماجِشونَ، ومطرِّفٌ: هي عَطيَّةٌ جائزةٌ إذا وُجِدت بعَيْنِها. وهو ظاهرُ حديثِ عثمانَ، وظاهرُ قولِ مالكٍ في "موطَّئِه"، على ما ذكَرناه هاهنا من قولِه: الأمرُ عندَنا (٧).


(١) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ٤٢، والمغني لابن قدامة ٦/ ٥٠.
(٢) "مبلغ" من الأصل.
(٣) انظر: المدونة ٤/ ٤٠٨، والبيان والتحصيل لابن رشد الجد ١٣/ ٤٠٨.
(٤) في م: "رشدًا"، والمثبت من الأصل.
(٥) انظر: المنتقى لأبي الوليد الباجي ٦/ ٩٧.
(٦) انظر: المنتقى أيضًا ٦/ ١٠٤ - ١٠٥.
(٧) انظر: المنتقى ٦/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>