للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدَ طُلوعِ الشمسِ، فمَن رَمَاها قبلَ طُلوعِ الشمسِ كان مُخَالفًا للسُّنَّةِ، ولَزِمه إعادَتُها في وَقْتِها؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جعَل لها وَقْتًا، فمَن تقَدَّمَه لم يُجْزِئْه.

وزَعَم ابنُ المنذرِ أنَّه لا يَعْرِفُ خِلافًا فيمَن رَمَاها قبلَ طُلوعِ الشمسِ وبعدَ الفجرِ أنَّه يُجْزِئُه (١). قال: ولو عَلِمْتُ في ذلك خِلافًا لأوْجَبْتُ على فاعِلِ ذلك الإعادَةَ. ولم يَعْرِفْ قولَ الثوريِّ الذي حكَيْنا. وقد ذكَره الطحاويُّ (٢)، عن الثوريِّ، وقد ذكَرَه ابنُ خُوَيْز مَنْداد أيضًا.

فهذا حُكْمُ جَمْرَةِ العَقَبَةِ التي تُرْمَى يومَ النَّحْرِ، ولا يُرْمَى من الجِمارِ يومَ النحرِ غيرُها (٣)، وهي رُكْنٌ من أركانِ الحَجِّ، ولو وَطِئَ المحرمُ قبلَ رَمْيِها لَفسَد حَجُّه عندَ مالكٍ وأصْحابِه، فإن وَطِئَ بعدَ رَمْي جَمْرَةِ العقبةِ وقبلَ الإفاضَةِ فعليه عندَهم أن يَعْتَمِرَ ويُهْدِيَ، وإنَّما أمَروه بالعمرةِ ليكونَ طَوافُه للإفاضَةِ في إحْرامِ صحيح. وهذا هو المشهورُ من مذهبِ مالكٍ عندَ أصحابِه (٤).

وذكَرَ ابنُ أبي حازِم أنَّ مالكًا رجَع عن هذا القولِ (٥) إلى أن قال: مَن وَطِئَ بعدَ رَمْي جمرةِ العقبةِ وقبلَ الإفاضَةِ فعليه هَدْيُ بدنةٍ لا غيرُ، ومَن وَطِئَ قبلَ رَمْي جمرةِ العقبةِ وبعدَ الوُقُوفِ بعرفةَ اعْتَمَر وأهْدَى وأجْزَأ عنه. هذه رِوايةُ ابنِ أبي حازِمٍ عن مالكٍ، وهي رِوايَةٌ شاذَّةٌ عندَ المالكيِّين لا يَعْرِفونها، والمعروفُ عندَهم


(١) في الإجماع (١٩٥).
(٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ١٥٤ - ١٥٥.
(٣) انظر: الإجماع لابن المنذر (١٩٤).
(٤) انظر: المدونة ١/ ٤٥٨.
(٥) انظر: البيان والتحصيل لابن رشيد الجد ١٧/ ٦٢٣.
وقد حكى القاضي عبد الوهاب في الإشراف (٧٩٠) عن مالك هاتين الروايتين، ثم قال: والصحيحة الظاهرة هي الأولى، لأنه وطء صادف إحرامًا منعقدًا، كالوطء قبل الوقوف بعرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>