للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بابِ ابنِ شهاب، عن سالم، ونذكُرُ هناك ما للعلماءِ من التَّنازع في كيفيّة فرضِ وقتِها، وأنّه لا حَجَّ لمن لم يَقفْ بها إن شاء اللَّه.

فمِن حُجَّةِ مالكٍ ومَن قال بقوله: أمْرُ اللَّه عزَّ وجلَّ كلَّ مَن دخَل في حَجٍّ أو عمرةٍ بإتمام ما دخَل فيه؛ بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦].

ومَن رَفَض إحرامَه فلم يُتِمَّ حَجَّه، ولا عُمْرَتَه.

ومن حُجَّةِ أبي حنيفةَ أنَّ الحَجَّ الذي كان فيه لمّا لم يكُنْ يجْزِئُ عنه، ولم يكُنِ الفَرْضُ لازِمًا له حينَ أحرَمَ به، ثم لزِمه حينَ بلَغ، استحالَ أن يَشتغلَ عن فَرْضٍ قد تعيَّن عليه بنافلةٍ ويُعطِّلَ فرضَه، كمن دخَل في نافلةٍ وأُقيمَتْ عليه المكتوبة، وخشِيَ فوتَها، قطَع النافلةَ ودخَل في المكتوبة، واحتاجَ إلى الإحْرام عندَ أبي حنيفة؛ لأنَّ الحَجَّ عندَه مُفتَقِرٌ إلى النِّيَّةِ والإحرام، وهما من فرائضه عندَه.

وأمّا الشافعيُّ فاحتجَّ بهذه الحُجَّةِ التي ذكَرناها لأبي حنيفة، واحتَجَّ في إسقاطِ تجديدِ النِّيَّةِ بأنّه جائز لكلِّ مَن نوَى بإهلالِه الإحرام، أن يصرِفَه إلى ما شاء من حَجٍّ أو عُمرة، بحديثِ عليٍّ؛ إذ قال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينَ أقبَل من اليَمنِ مُهِلًّا بالحَجِّ: "بمَ أهلَلتَ؟ ". قال: قلت: لبيكَ اللهُمَّ بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإنِّي أهللتُ بالحَجِّ وسُقتُ الهَديَ". ولم يُنكِرْ عليه رسولُ اللَّه مقالتَه، ولا أمَره بتجديدِ نيّةٍ لإفرادٍ، أو قِرانٍ، أو مُتعَة.

وذكَر البخاريُّ، قال (١): حدَّثنا مُسَدَّدٌ، قال: حدَّثنا بِشرُ بنُ المفضَّل، عن حُميد، قال: حدَّثنا بكرٌ أنّه ذَكَرَ لابنِ عمرَ أنَّ أنسًا حدَّثهم أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أهَلَّ بعُمرةٍ وحجة، فقال: أهَلَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحَجِّ، وأهلَلْنا به، فلمّا قَدِمنا مكة، قال:


(١) في صحيحه (٤٣٥٣، ٤٣٥٤). مسدّد: هو ابن مسرهد، وحُميد: هو ابن أبي حميد الطويل، وبكرٌ: هو ابن عبد اللَّه المُزَنيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>