للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وهو يُجْزِئُه. قيل له: فما قولُ مالكٍ إن هو ذبَح قبلَ أن يَرْمِيَ؟ قال: يُجْزِئُه ولا شيءَ عليه (١).

قال أبو عُمر: لم يخْتَلِفْ قولُ مالكٍ وأصحابِه فيمَن حلَق قبلَ أن يَرْمِيَ جمرةَ العقبةِ أنَّ عليه الفِدْيَةَ (٢)، ويُمِرُّ بعدَ ذلك المُوسَى على رأسِه.

وذكَر ابنُ عبدِ الحكمِ فيمَن طاف طَوافَ الإفاضَةِ قبلَ أن يَرْمِيَ جمرةَ العقبةِ يومَ النحرِ، أنَّه يَرْمِي، ثم يُحْلِقُ رأسَه، ثم يُعيدُ الطوافَ للإفاضَةِ. قال: ومَن طاف للإفاضَةِ قبلَ الحِلَاقِ إلَّا أنَّه قد كان رَمَى جمرةَ العقبةِ، فإنَّه يَحْلِقُ رأسَه، ثم يُعيدُ طوافَ الإفاضَةِ، فإن لم يُعِدِ الطوافَ فلا شيءَ عليه؛ لأنَّه قد طاف.

وقال إسماعيلُ القاضِي: مَن حَلَق قبلَ أن يَذْبَحَ لم يكنْ عليه شيءٌ؛ لأنَّ الظاهِرَ يدُلُّ على أنَّه مَن رَمَى جمرةَ العقبةِ، ثم حَلَق قبلَ أن يذْبَحَ، فلا شيءَ عليه، وقد كان يَنْبَغِي له أن يذْبَحَ ثم يَحْلِقَ بعدَ الذَّبْحِ، فلمَّا بَدَأ بالحِلَاقِ كان قد أخْطَأ، ولم يكنْ عليه شيءٌ؛ لأنَّ الرَّمْيَ يَحِلُّ به الحِلاقُ، ألا تَرَى أنَّ رجلًا لو لم يكنْ معه هَدْيٌ ثم رَمَى جمرةَ العقبةِ، حَلَّ له الحَلْقُ ولُبْسُ الثِّيابِ وما أشْبَهَ ذلك، فلهذا المعنى لم يكنْ على مَن بَدَأ بالحَلْقِ قبلَ الذبحِ شيءٌ. قال إسماعيلُ: وإذا نَحَر قبلَ أن يَرْمِيَ لم يكنْ عليه أيضًا شيءٌ؛ لأنَّ الهَدْيَ قد بلَغ مَحِلَّه، ألا تَرَى أنَّ مُعْتَمِرًا لو ساق معه هَدْيًا فنَحَره حينَ بلَغ مكةَ قبلَ أن يطوفَ ويَسْعَى، لكان قد أخْطأ، ولم يكنْ عليه إبْدالُ الهَدْي، وإنَّما كان يَنْبَغِي له ألَّا يَنْحَرَ الهديَ حتى يَفْرُغَ من طَوافِه وسَعْيِه فيَنْحَرَ الهَدْيَ ثم يَحْلِقَ، فلمَّا أخْطَأ لم يكنْ عليه الإبدالُ؛ لأنَّ الهَدْيَ قد بلَغ مَحِلَّه، ولم يكنْ في شيءٍ من ذلك انتِقاصٌ لعُمْرَتِه؛ لأنَّ الرجلَ قد يَعْتَمِرُ ولا يسوقُ هَدْيًا، فتكونُ عُمْرَتُه


(١) انظر: المدونة ١/ ٤٣٤.
(٢) انظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب (٧٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>