للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَفوُا في آخرِ وقتِ العَصرِ؛ فقال مالكٌ: آخرُ وقتِ العَصرِ أن يكونَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَيه بعدَ المثلِ الذي زالت عليه الشمسُ. وهذا محمُولٌ عندنا من قَولِه على وقتِ الاختيارِ، وما دامتِ الشمسُ بيضَاءَ نقيَّةً (١)، فهو وقتٌ مخُتارٌ لصلاةِ العصرِ عندَنا وعندَ سائرِ العُلماءِ، والحمدُ لله.

وقد أجمَع العُلماءُ على (٢) أنَّ من صلَّى العصرَ والشمسُ بيضاءُ نقيَّةٌ لم تدخُلْها صُفرةٌ فقد صلَّاها في وقتها المُختارِ. وفي ذلك دليلٌ على أنَّ مُراعاةَ المثِلينِ عندَهم استحبابٌ. وقد ذكَرنا فيما سَلَف من كتابنا في وقتِ العصرِ، في باب إسحاقَ بنِ أبي طلحةَ وغيرِه ما فيه كِفايةٌ (٣)، فنذكُرُ ها هُنا أقاوِيلَهم في آخرِ وقتِ العصرِ:

فقال الثَّوريُّ: إن صلَّاها ولم تتغيَّرِ الشمسُ فقد أجزَأه، وأحبُّ إليَّ أن يُصلِّيَها إذا كان ظلُّه مثلَه، إلى أن يكُونَ ظلُّهِ مِثلَيه (٤).

وقال الشَّافعيُّ: أوَّلُ وقتِها في الصَّيفِ إذا جاوزَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه بشيءٍ ما كان، ومن أخَّر العصرَ حتى يُجاوزَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَيهِ في الصَّيفِ، أو قدرَ ذلكَ في الشِّتَاءِ، فقد فاتَه وقتُ الاختيارِ، ولا يجوزُ أن يُقالَ: فاتَه وقتُ العصرِ مُطلقًا. كما جازَ على الذي أخَّرَ الظُّهرَ إلى أن جاوزَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه. قال: وإنَّما قلتُ ذلك؛ لحديثِ أبي هُريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من أدرَكَ رَكعةً من العَصرِ قبلَ أن تغرُبَ الشَّمسُ فقد أدركَها" (٥).


(١) ينظر: المدوّنة ١/ ١٥٦، والرسالة لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ص ٢٤، وحلية العلماء لأبي بكر الشاشيّ القفّال ٢/ ١٤.
(٢) لم يرد حرف الجر في الأصل.
(٣) سلف ذلك في موضعه عند الحديث العاشر لإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة.
(٤) نقله عنه وعن أبي حنيفة النَّوويُّ في المجموع شرح المهذّب ٣/ ٥٤.
(٥) قاله في الأمّ ١/ ٩١ - ٩٢، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٦ (٥) عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وعن بُسر بن سعيد، وعن الأعرج، كلُّهم يُحدِّثُه عن أبي هريرة، وهو الحديث الخامس لزيد بن أسلم، وقد سلف مع تمام تخريجه في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>