للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: إنَّما جَعلَ الشافعيُّ وقتَ الاختيارِ لحديثِ إمامةِ جبريلَ، وحديثِ العَلاءِ، عن أنس: "تلك صلاةُ المُنافقينَ" (١). ونحوِهما من الآثارِ، ولم يقطَعْ بخُروج وقتِها، لحديث أبي هُريرةَ الذي ذَكَر. ومذهبُ مالكٍ نحوُ هذا. وقد كان يلزَمُ الشَّافعيَّ ألا يُشركَ بينَ الظُّهرِ والعصر في الوقتِ لأصحابِ الضَّروراتِ؛ لخُروج وقتِ الظُّهرِ عندَه بكَمالِ المثلِ، ولكنَّ وقتَ الحضرِ عندَه وقتُ رفاهيةٍ ومقامٍ لا يُتعدَّى ما جاءَ فيه، وأمَّا أصحابُ الضَّرُوراتِ، فأوقاتُهم كأوقاتِ المُسافرِ، لعُذرِ السَّفرِ، وضرُورته، والسَّفرُ عنده تشتركُ فيه صلاتا النَّهارِ وصلاتا اللَّيلِ، على ما نذكُرُه في بابِ أبي الزُّبير (٢) إن شاءَ اللهُ. وأصحابُ الضَّروراتِ: الحائِضُ تطهُرُ، والمُغمَى عليه يُفيقُ، والكافرُ يُسلِمُ، والغُلامُ يحتلِمُ. وقد ذكَرنا أحكامَهم وما للعُلماءِ من المذَاهبِ في ذلك (٣) في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ (٤)، والحمدُ لله.

وأمَّا مالكٌ فقد روَى عنه ابنُ وَهْبٍ، وغيرُه أنَّ الظُّهرَ والعصرَ آخرُ وقتِهما غُروبُ الشمسِ. وهو قولُ ابنِ عباسٍ وعكرِمةَ (٥) مُطلقًا. وروايةُ ابنِ وَهْبٍ عن مالكٍ لذلك محمُولةٌ عندَ أصحابِه لأهلِ الضَّرُوراتِ؛ كالمغمَى عليه، ومَن أشبهَه، على ما قد أوضحنا في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ، والحمدُ لله.

وروى ابنُ القاسم، عن مالكٍ: آخرُ وقتِ العصرِ اصفرارُ الشمسِ (٦).


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٠٢ عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنسٍ رضي الله عنه، وهو الحديث الأول للعلاء بن عبد الرحمن، وسيأتي مع تمام تخريجه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٢) وهو محمد بن مسلم بن تَدْرُس، أبو الزُّبير المكّي، وما ذكره سيأتي في الحديث السابع له في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) في ج: "في ذلك من المذاهب"، والمثبت من الأصل وف ٢.
(٤) في سياق شرحه للحديث الخامس له، وقد سلف في موضعه.
(٥) ينظر: حلية العلماء لأبي بكر الشاشيّ القفّال ٢/ ١٤. وينظر ما رُويَ عن عكرمة وغيره في هذا المصنّف لعبد الرزاق ١/ ٥٨٤ (٢٢٢٢) و (٢٢٢٣).
(٦) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة لخلف بن أبي القاسم القيرواني ١/ ٢٦٢ (١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>