للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلَف الفقهاءُ في الأمَةِ؛ فقال مالكٌ: إذا أقرَّ بوطْئِها صارت فِراشًا، فإن لم يَدَّعِ اسْتِبْراءً لحِق به ولَدُها، وإن ادَّعَى اسْتِبْراءً حَلَف وبَرئ مِن ولَدِها يمِينًا واحِدًا. واحتَجَّ بعمرَ بنِ الخطابِ في قولِه: لا تَأْتيني وليدةٌ يعْتَرفُ سيِّدُها أنْ قد ألمَّ بها، إلَّا ألحَقْتُ به (١) ولَدَها، فأرْسِلُوهنَّ بعدُ أو أمْسكُوهُنَّ (٢).

وقال الكوفيُّون (٣): لا تكونُ الأمَةُ فِرَاشًا بالوَطْءِ حتى يَدَّعِيَ سيِّدُها ولَدَها، وأمَّا إن نَفَاهُ فلا يُلْحَقُ به، سَواءٌ أقرَّ بوَطْئِها أم لم يُقِرَّ، وسَواءٌ اسْتَبرَأ أو لم يَسْتَبرئ (٤).

وأجمَع العلماءُ على أنْ لا لعَانَ بينَ الأمَةِ وسَيِّدِها. وأجمَع جمهورُ الفقهاءِ أيضًا على ألَّا يَسْتَلْحِقَ أحَدٌ غيرَ الأبِ؛ لأنَّ أحدًا لا يُؤْخَذُ بإقرارِ غيرِه عليه، وإنَّما يُؤْخَذُ بإقرارِه على نفسِه، ولا يُقِرُّ أحَدٌ على أحَدٍ، ولو قُبِل اسْتِلْحَاقُ غيرِ الأبِ، كان فيه إثْباتُ حُقُوقٍ على الأبِ بغيرِ إقْرَارِه، ولا بيِّنةٍ تَشْهَدُ عليه، وقد أبَى اللهُ ورسولُه مِن ذلك، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]. وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي رِمْثةَ في ابنِه: "إنَّك لا تَجني عليه، ولا يَجني عليك" (٥). وفي هذا كلِّه ما يدُلُّك على أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما حكَم بالوَلَدِ (٦) لزَمْعَةَ؛ لأنَّ فِراشَه قد كان مَعْرُوفًا عندَه، واللهُ أعلمُ، لا أنَّه قَضَى به لعَبْدِ بنِ زَمْعَةَ بدَعْواه على أبيه.


(١) في الأصل: "بها"، خطأ بيّن.
(٢) ينظر: المدونة ٢/ ٥٢٩، وحديث عمر أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٢٨٦ (٢١٦٣) عن ابن شهاب الزُّهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "ما بال رجالٍ يطؤون ولائدهم، ثمّ يهزِلُونهُنَّ، لا يأتيني ... " فذكره.
(٣) في ج: "العراقيون".
(٤) ينظر: بدائع الصنائع للكاساني ٤/ ١٢٥.
(٥) سلف تخريجه في شرح الحديث الثالث عشر لابن شهاب عن سعيد بن المسيِّب.
(٦) قوله: "بالولد" لم يرد في الأصل، وهو ثابت في ف ٢، ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>