حُكما باطِنًا أوجَب الحِجابَ، والحُكْمُ الظاهِرُ لَحاقُ ابنِ وليدَةِ زَمْعَةَ بالفِراشِ. وقد وافَقَهم ابنُ القاسِم في أنَّ الزنى يُحرِّمُ مِن نِكاح الأُمِّ والابنةِ ما يُحرِّمُ النِّكاحُ، خِلافَ "المُوطَّأ". وقد قال المزنيُّ في مَعْنَى هذا الحديثِ غيرَ ما تقَدَّمَ.
حدَّثني أحمدُ بنُ عبدِ الله بنِ محمدٍ، قال: أخبرنا أبي، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ قاسِم، قال: حدَّثني أبي، قال: سُئِل المزَنيُّ عن حديثِ سعدِ بنِ أبي وقَّاص وعبدِ بنِ زَمْعَةَ حينَ اختَصما إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في ابنِ وليِدَةِ زَمْعَةَ، فقال: اخْتَلفَ الناسُ في تأْويلِ ما حكَمَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن ذلك؛ فقال قائِلُون وهم أصحابُ الشافعيِّ، في قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجِبي منه يا سودةُ": إنَّه منَعَها منه لأنَّه يجوزُ للرجلِ أن يمْنَعَ امرأتَه مِن أخيها. وذَهَبوا إلى أنَّه أخوها على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ألحَقَه بفِراشِ زَمْعَةَ، وما حَكَم به فهو الحقُّ الذي لا شَكَّ فيه. قال: وقال آخرون - وهم الكوفيون -: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جعَلَ الزِّنَى حُكْمَ التحرِيم بقولِه:"احْتَجِبي منه يا سَوْدَةُ"، فمَنَعها مِن أخيها في الحُكْم؛ لأنَّه ليس بأخِيها في غيرِ الحُكْم، لأنَّه مِن زِنى في الباطنِ؛ إذ كان شَبِيهًا بعُتْبةَ في غيرِ الحُكْم. فجَعَلوه كأنَّه أجْنَبيٌّ، وأن لا يَراها لحُكْم الزنى (١)، وجعَلوه أخاها بالفِراشِ.
وزَعَم الكُوفيُّون أنَّ ما حرَّمَه الحلالُ، فالحرامُ له أشَدُّ تحرِيمًا.
قال المزنيُّ: وأمَّا أنا؛ فيَحْتَمِلُ تأْويلُ هذا الحديثِ عندي، واللهُ أعلمُ، أن يكونَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أجاب عن المسألةِ، فأعْلَمَهم بالحُكْم أنَّ هذا يكونُ إذا ادَّعَى صاحِبُ فِراشٍ وصاحِبُ زنًى، لا أنَّه قَبِل على عُتْبةَ قولَ أخيه سعدٍ، ولا على زَمْعةَ قولَ ابنِه: إنَّه أوْلَدَها الوَلَدَ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما أخْبَر عن غيرِه، وقد أجْمَع المسلمون أنَّه لا يُقْبَلُ إقرارُ أحَدٍ على غيرِه، وفي هذا عندي دليلٌ على أنَّه حُكْم خرَجَ على المسألةِ، ليُعَرِّفَهم كيف الحُكْمُ في مثلِها إذا نزَل، ولذلك قال
(١) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال ٧/ ٤٨، والاستذكار ١/ ٤١٤٩.