للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسَوْدَةَ: "احْتَجِبي منه"؛ لأنَّه حكَمَ على المسألةِ، وقد حَكَى اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِه مثلَ ذلك في قِصَّةِ داودَ والملائكةِ: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢٢]، ولم يكونا خَصْمَيْن، ولا كان لواحِدٍ منهما تسعٌ وتسعون نَعْجَةً، ولكنَّهم كلَّموه على المسألةِ، ليعرِفَ بها ما أرادوا تَعْرِيفَه، فيَحْتَمِلُ أن يكونَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حكَمَ في هذه القِصَّةِ على المسألةِ، وإن لم يكنْ أحَدٌ يُؤْنِسُني على هذا التَّأويلِ، أو كان، فهو عندي صحيحٌ، واللهُ أعلم.

قال المزنيُّ: قال الشافعيُّ: إنَّ رُؤْيَةَ ابنِ زَمْعَةَ سَوْدَةَ مُباحٌ في الحُكْم، ولكنَّه كَرِهَه للشَّبَه (١)، وأمَر (٢) بالتَّنزُّهِ عنهُ اخْتيارًا.

قال المزَنيُّ: لمَّا لم تَصِحَّ دَعْوَى سعدٍ لأخيه (٣)، ولا دَعْوَى عبدِ بنِ زَمْعَة، ولا أقَرَّتْ سَوْدَةُ أنَّه ابنُ أبيها، فيكونَ أخاها، منَعه مِن رُؤْيَتها، وأمَرَها بالاحْتِجابِ منه، ولو ثَبَت أنَّه أخوها ما أمَرَها أن تَحْتَجِبَ منه؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - بُعِث بصلَةِ الأرحام، وقد قال لعائشةَ في عَمِّها مِن الرَّضَاعةِ: "إنَّه عَمُّكِ، فلْيَلِجْ عليك" (٤). ويَسْتَحِيُل أنْ يَأْمُرَ زَوْجَتَه ألَّا تَحْتَجِبَ مِن عَمِّها مِن الرضاعَةِ، ويأْمُرَ زَوْجَةً له أُخْرَى أنْ (٥) تَحْتَجِبُ مِن أخيها لأبيها.

قال: وَيحْتَمِلُ أن تكونَ سَوْدَةُ جَهِلَتْ ما عَلِم أخوها عبدُ بنُ زَمْعَةَ، فسَكَتَت.


(١) في ج: "لشبهة"، وما أثبتناه من بقية النسخ، وعبارة الشافعي في الأم ٦/ ٢١٦ تعضد ذلك، وينظر: مختصر المزني ٨/ ٣٣٤.
(٢) في الأصل: "وأمره"، والمثبت من بقية النسخ، وهو الصواب.
(٣) في الأصل، ف ٢: "لأبيه".
(٤) أخرجه مالكٌ في الموطأ ٢/ ١٢٠ (١٧٦٣) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها رضي الله عنها.
وهو الحديث الحادي والعشرون من حديث هشام بن عروة عن أبيه، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٥) قوله: "أن" سقط من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>