للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجْمَعٌ عليه، ومن أنَّ ولَدَ الزِّنَى في الإسلام لا يلْحَقُ - بإجماع - ما يَقْطَعُ العُذْرَ، وتسكُنُ إليه النَّفْسُ؛ لأنَّه أصْلٌ، وإجماعٌ، ونَصٌّ، وليس التأويلُ كالنَّصِّ.

وقال أبو جعفرٍ الطَّحاويُّ (١): ليس قولُ مَن قال: إنَّ دعوَى سعدٍ في هذا الحديثِ كَلا دعوَى بشيءٍ؛ لأنَّ سعدًا إنَّما ادَّعى ما كان معروفًا في الجاهليَّةِ مِن لحوقِ ولدِ الزنى بمَن ادَّعاه، وقد كان عمرُ يقْضِي بذلك في الإسلام، فادَّعَى سعدٌ وصِيَّةَ أخيه بما كان يُحكَمُ في الجاهليَّةِ به، فكانت دَعْواه لأخيه كدعْوَى أخيه لنفسِه، غيرَ أنَّ عبدَ بنَ زَمْعَةَ قابَلَه بدَعْوَى تُوجبُ عِتْقًا للمُدَّعى؛ لأنَّ مُدَّعيَه كان يَمْلِكُ بعضَه حينَ ادَّعَى فيه ما ادَّعَى، وَيعْتِقُ عليه ما كان يَمْلِكُ منه (٢)، فكان ذلك هو الذي أبْطَل دَعْوَى سعدٍ، ولما كان لعبدِ بنِ زَمْعَةَ شَريكٌ فيما ادَّعَاه، وهو أُخْتُه سودَةُ، ولم يُعْلَمْ منها في ذلك تَصْديقٌ له، ألزَمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبدَ بنَ زَمْعَةَ ما أقَرَّ به في نفسِه، ولم يجعَلْ ذلك حُجَّةً على أُختِه إذ لم تُصَدِّقْه، ولم يجعَلْه أخَاها، وأمرَها بالحِجابِ منه.

قال (٣): وأمَّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "هو لكَ يا عبدَ بنَ زمْعَةَ". فمَعناه: هو لك بيَدِكَ عليه، لا أنَّك تَمْلِكُه، ولكنْ تَمْنَعُ بيَدِك عليه كل مَن سِواكَ منه، كما قال في اللُّقَطَة: "هي لَك": بيَدِكَ عليها، تدْفعُ غيرَك عنها، حتى يجيءَ صاحِبُها، ليس على أنَّها مِلْكٌ له. قال: ولا يجوزُ أن يجعَلَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ابنًا لزَمْعَةَ ثم يأْمُرَ أُخْتَه تَحتَجِبُ منه، هذا مُحالٌ لا يجوزُ أن يُضَافَ إلى النبيِّ عليه السلامُ.

واختَلَف الفقهاءُ مِن معنَى هذا الحديثِ في نكاح الرجلِ ابنتَه مِن زنًى أو أُخْتَه بنتَ أبيه مِن زِنًى، فحرَّم ذلك قومٌ؛ منهم ابنُ القاسِم، وهو قولُ أبي حنيفةَ


(١) شرح مشكل الآثار ١١/ ١٣، ١٧.
(٢) في م: "فيه"، وفي شرح مشكل الآثار: "كان يملك بعضه".
(٣) ينظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي ١١/ ١٣ بإثر الحديث (٤٢٥٤) و ١١/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>