للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقد كان الناسُ ولهم مصاحفُ، والسِّتَّةُ الذين أوصَى إليهم عُمرُ بنُ الخطابِ كانت لهم مصاحفُ. قال ابنُ وَهْب: وسألتُ مالكًا عن مُصحفِ عثمانَ بنِ عفانَ، قال لي: ذهَب (١).

قال (٢): وأخبرني مالكُ بنُ أنسٍ، قال: أقْرَأَ عبدُ الله بنُ مسعود رجلًا: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤)} [الدخان: ٤٣، ٤٤]، فجعَل الرجلُ يقولُ: طعامُ اليتيم. فقال له ابنُ مسعود: طعامُ الفاجِر. فقلتُ لمالك: أترَى أنْ يقرَأَ بذلك؟ قال: نعم، أرى ذلك واسعًا.

قال أبو عُمر: معنَاه عندِي: أنْ يُقْرَأَ به في غير الصلاةَ، وإنَّما ذكرنا ذلك عن مالكٍ تفسيرًا لمعنى الحديثِ، وإنَّما لم تجُزِ القراءةُ به في الصلاةِ؛ لأنَّ ما عدَا مُصحفَ عثمانَ فلا يُقطعُ عليه، وإنَّما يجري مجرَى السُّنَنِ التي نقلَها الآحادُ، لكِنْ لا يُقْدِمُ أحدٌ على القطع في ردِّه. وقد روى عيسى (٣)، عن ابنِ القاسم، في المصحف بقراءةِ ابنِ مسعودٍ، قال: أرَى أنْ يَمْنَعَ الإمامُ من بيعِه، ويضْرَبَ مَن قرَأ به، ويُمنعَ من ذلك.

وقد قال مالكٌ (٤): مَن قرأ في صلاتِه بقراءةِ ابنِ مسعودٍ أو غيرِه مِن الصَّحابَةِ ممَّا يُخالفُ المصحفَ، لم يُصلَّ وراءَه.


(١) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف، ص ١٣٥ عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السَّرح، عن عبد الله بن وهب، به.
(٢) في جامعه ١/ ٥٥ (١١٨). وقال القرطبي في تفسيره ١٦/ ١٤٩ معقّبًا على هذه الرواية: "ولا حجّةَ في هذا للجُهّال من أهل الزَّيغ، أنه يجوز إبدالُ الحرف من القرآن بغيره، لأن ذلك إنّما كان من عبد الله تقريبًا للمتعلِّم وتوطئةً منه له للرُّجوع إلى الصَّواب، واستعمالُ الحقِّ والتكلُّم بالحرف على إنزال الله وحكاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
(٣) هو عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، وهذا الخبر نقله عنه أبو الوليد محمد بن رُشد القُرطبي في البيان والتحصيل لمسائل المستخرجة ٩/ ٣٧٤.
(٤) كما في المدوّنة ١/ ١٧٧، وينظر: البيان والتحصيل لمحمد بن رشد ٩/ ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>