للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلماءُ المسلمينَ مُجمِعونَ على ذلك، إلا قومًا شذُّوا لا يُعرَّجُ عليهم؛ منهم الأعْمَشُ سليمانُ بنُ مِهرانَ. وهذا كلُّه يدلُّك على أنَّ السَّبعة الأحرفِ التي أُشيرَ إليها في الحديثِ ليسَ بأيدِي الناسِ منها إلَّا حرفُ زيدِ بنِ ثابِتٍ الذي جمَع عليه عثمانُ المصاحفَ.

حدَّثنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ أسدٍ وخلفُ بنُ القاسم بنِ سهلٍ، قالا: أخبرنا محمدُ بنُ عبدِ الله الأصبهانيُّ المقرئُ، قال: أخبرنا أبو عليٍّ الحسنُ بنُ صافي الصَّفَّارُ، أنَّ عبدَ الله بنَ سليمانَ حدَّثهم، قال (١): حدَّثنا أبو الطَّاهرِ، قال: سألتُ سفيانَ بنَ عُيينةَ عن اختلافِ قراءةِ المدَنيِّين والعِرَاقيِّينَ، هل تدخُلُ في السبعةِ الأحرفِ؟ فقال: لا، وإنَّما السبعةُ الأحرفِ كقولهم: هلمَّ، أقبلْ، تعالَ. أيَّ ذلك قُلْتَ أجْزَاكَ. قال أبو الطَّاهرِ: وقاله ابنُ وَهْب.

قال أبو بكرٍ محمدُ بنُ عبدِ الله الأصبهانيُّ المقرئُ: ومعنَى قولِ سفيانَ هذا أنَّ اختلافَ العراقيِّينَ والمدَنِيِّينَ راجع إلى حرفٍ واحدٍ من الأحرفِ السبعةِ. وبه قال محمدُ بنُ جريرٍ الطَّبريُّ (٢).

وقال أبو جعفرٍ الطَّحاويُّ (٣): كانَتْ هذه السبعةُ للناس في الحروفِ لعجزِهم عن أخذِ القرآنِ على غيرِها؛ لأنَّهم كانوا أُمِّيِّينَ لا يكتبونَ، إلَّا القليلَ منهم، فكان يشقُّ على كُلِّ ذي لُغةٍ منهم أن يتحوَّلَ إلى غيرِها منَ اللُّغَاتِ، ولو رامَ ذلك لم يتهيَّأ له إلَّا بمشقَّةٍ عظيمةٍ، فوُسِّعَ لهم في اختلافِ الألفاظِ إذا كان المعْنَى مُتَّفِقًا، فكانوا كذلك حتى كثُرَ مَن يكتبُ منهم، وحتى عادَتْ لُغاتُهم إلى لسانِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرؤوا بذلك على تحفُّظِ ألفاظِه، فلم يَسَعْهم حينئذٍ أنْ يقرؤوا بخلافِها، وبانَ بما


(١) وهو ابن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف، له، كما في فتح الباري لابن حجر ٩/ ٣٠. وأبو الطاهر: هو أحمد بن عمرو بن السَّرح.
(٢) ينظر: جامع البيان، له ١/ ٥٧.
(٣) في شرح مشكل الآثار ٨/ ١١٥ بإثر الحديث (٣١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>