للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسِه فأحرَى ألَّا يدخلَ بيتَ غيرِه، وفي اجتنابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك دليلٌ على أنَّه لا يجوزُ، وإذا لم يجزْ له دُخولُ البيْتِ وإنْ لم يكنْ في ذلك معصيةٌ، فكلُّ شغلٍ يشغَلُه عن اعتكافِه لا يجوزُ له؛ لأنَّه في ذلك المعنَى، وإنْ لم يكنْ فيه معصيةٌ. وفي معنَى دُخولِ البيْتِ لحاجةِ الإنسانِ كلُّ ما لا غنَى بالإنسانِ عنه؛ من منافعِه، ومصالحِه، وما لا يقضِيه عنه غيرُه. وفي معنَى ترجيلِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رأسَه كُلُّ ما كان فيه صلاحُ بدنِه من الغذاءِ وغيرِه ممَّا يحتاجُ إليه.

ومن جهةِ النَّظرِ، المعتكفُ ناذرٌ، جاعلٌ على نفسِه المقامَ في المسجدِ لطاعةِ الله، فواجبٌ عليه الوفاءُ بذلك، فإنْ خرَج لضرورةٍ، ورجَع في فورِ زوالِ الضَّرورةِ، بنَى على ما مضَى من اعتكافِه ولا شيءَ عليه، ومنَ الضَّرور المرضُ البيِّنُ والحيضُ، وهذا عندِي في معنَى خُروجِه - صلى الله عليه وسلم - لحاجةِ الإنسانِ؛ لأنَّها ضرورةٌ.

واختلَف قولُ مالكٍ في المعتكفِ يخرُجُ لعذرٍ غيرِ ضرورةٍ، مثلَ أنْ يموتَ أبُوه او ابنُه، ولا يكون له مَن يقومُ به، او شراءِ طعام يُفطرُ عليه، أو غسلِ نجاسةٍ من ثوبِه لا يجدُ مَن يكفِيه شيئًا من ذلك، فرُويَ عنه أنه منْ فعَل هذا كلَّه، وما كان مثلَه، يبتدئُ. ورُويَ عنه أنَّه يبني، وهو الأصحُّ عندَ ابنِ خُوَيْز مَنْداد وغيرِه، قياسًا على حاجةِ الإنسانِ، والحيضِ والمرضِ اللَّذين لم يختلفْ قولُ مَالكٍ فيهما أنَّه يبني.

واختلَف العلماءُ في اشتغالِ العاكفِ (١) بالأمورِ المباحةِ؛ فقال مالكٌ: لا يعرِضُ المعتكفُ لتجارةٍ ولا غيرِها، ولا بأسَ أنْ يأمُرَ بضيعته (٢) (٣) ومصلحةِ أهلِه، وبيعِ مالِه، ويصنَعَ كُلَّ ما لا يشغَلُه إذا كان خفيفًا. قال مالكٌ: ولا يكونُ


(١) في ف ٢، ج، م: "المعتكف"، والمثبت من الأصل.
(٢) في ف ٢، ج، م: "بصنعته"، والمثبت من الأصل، وهو الذي في المدونة.
(٣) ينظر: الموطأ ١/ ٤٢٢ (٨٧٥) و ١/ ٤٢٦ (٨٨٥) المدوّنة ١/ ٢٩٢ - ٢٩٣، والتهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ١/ ٣٧٧ - ٣٧٨، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>