للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُوِيَ عن طاوُوسٍ في التَّمَتُّع قولان هما أشَدُّ شُذُوذًا ممَّا ذكَرْنا عن الحسنِ:

أحَدُهما: أنَّ مَن اعْتَمَر في غيرِ أشهرِ الحَجِّ، ثم أقام حتى الحَجِّ، ثم حَجَّ مِن عامِه، أنَّه مُتَمَتِّعٌ. وهذا لم يَقُلْ به أحَدٌ مِن العلماءِ فيما عَلِمْتُ غيرُه، ولا ذهَب إليه أحدٌ مِن فقهاءِ الأمصارِ، وذلك، واللهُ أعلمُ، أنَّ شُهورَ الحَجِّ أحَقُّ بالحَجِّ مِن العمرةِ؛ لأنَّ العمرةَ جائزةٌ في السَّنَةِ كلِّها، والحَجَّ إنَّما مَوْضِعُه شُهورٌ مَعْلُومةٌ، فإذا جعَل أحَدٌ العمرةَ في أشْهُرِ الحَجِّ، ولم يَأْتِ في ذلك العام بحَجٍّ (١)، فقد جعَلَها في مَوْضِعٍ كان الحَجُّ أوْلى به، إلا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد رخَّص في ذلك رحمةً منه، وجعَل فيه ما استيسَر من الهدْي.

والآخَرُ: قاله في المكيِّ إذا تَمَتَّعَ مِن مِصْرٍ مِن الأمْصارِ فعليه الهَدْيُ. وهذا لم يُعَرَّجْ عليه؛ لظاهِرِ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦]. والتَّمَتُّعُ على ما قد أوْضَحْنا عن جماعةِ العلماءِ بالشَّرائطِ التي وصَفْنا، وبالله توفيقُنا.

واخْتَلَفوا فيمن أنْشَأ عُمرةً في غيرِ أشهرِ الحجِّ، ثم عَمِلَها في أشهرِ الحجِّ، ثم حَجَّ مِن عامِه ذلك؛ فقال مالكٌ: عُمرتُه في الشهرِ الذي حَلَّ فيه (٢). يريدُ إن كان حَلَّ منها في غيرِ أشهرِ الحجِّ، فليس بمُتَمَتِّع، وإن كان حلَّ منها في أشهرِ الحجِّ فهو مُتَمَتِّعٌ إن حجَّ مِن عامِه.

وقال الثوريُّ (٣): إذا قَدِم الرجلُ مُعْتَمِرًا في شهرِ رمَضانَ وقد بَقِي عليه


(١) قوله: "ولم يأت في ذلك العام بحج" لم يرد في الأصل.
(٢) ينظر: المدوّنة ١/ ٤١٨، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٩٩.
(٣) كما في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>