للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَدْيًا لمتْعَتِه لم يَحلَّ مِن عُمْرَتِه حتى يَحلَّ مِن حَجَّتِه (١)؛ لأنَّه ساق الهَدْيَ، على حديثِ حَفصَةَ (٢).

وحُجَّةُ الشافعيِّ في جوازِ إحْلالِه، أنَّ المتَمَتِّعَ إنَّما يكونُ مُتَمَتِّعًا إذا اسْتَمْتَع بإحْلالِه إلى أنْ يُحرِمَ بالحَجِّ، وأمَّا مَن لم يَحلَّ مِن المعْتَمِرِين فإنَّما هو قارِنٌ لا مُتَمَتِّعٌ، والقِرانُ قد أباح التَّمَتُّع.

فهذه جُمْلَةُ أُصولِ أحْكام التَّمَتعُّ بالعمرةِ إلى الحجُّ، وهذا هو الوَجْهُ المشهورُ في التَّمَتعُّ. وقد قيل: إنَّ هذا الوجهَ هو الذي رُويَ عن عمرَ بنِ الخطابِ وعبدِ الله بنِ مسعودٍ كراهِيَتُه، وقالا، أو أحَدُهما: يأْتي أحَدُهم مِنًى وذكَرُه يَقْطُرُ مَنِيًّا (٣). وقد أجْمَع علماءُ المسلمين على جَوازِ هذا، وعلى أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أباحَه وأذِن فيه.

وقد قال جماعةٌ مِن العلماء: إنَّما كَرِهه عمرُ رضي اللهُ عنه لأنَّ أهلَ الحرم كانوا قد أصابَتْهم يومَئِذٍ مجاعةٌ، فأراد عمرُ أن يَنْتَدِبَ الناسَ إليهم ليَنْعَشُوا بما يُجلَبُ مِن المِيَر.

وقال آخرون: أحبَّ أن يُزارَ البيتُ في العام مرَّتَيْن؛ مرَّةً للحجِّ، ومرَّةً للعمرةِ، ورأى أنَّ الإفرادَ أفْضَلُ، فكان يَمِيلُ إليه، ويأْمُرُ به، ويَنْهَى عن غيرِه اسْتِحبَابًا،


(١) ينظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ٣/ ٢٢٦ - ٢٢٨.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٢٧ - ٥٢٨ (١١٦٨) عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر عنها رضي الله عنها، وهو الحديث الحادي والستون لنافع، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٣) المحفوظ أنّ هذا من قول بعض الصحابة كما في حديث ابن عمر عند أحمد في المسند ٨/ ٤٣٧ (٤٨٢٢)، وحديث جابر بن عبد الله عنده ٢٣/ ٢٠٢ (١٤٩٤٣): وعند البخاري (١٦٥١)، وفيه قول بعضهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "ننطلق إلى منًى وذكَرُ أحدنا يقطُر منيًّا".
ورواه كذلك البخاري (٢٥٠٥) من حديث عطاء عن جابر، وعن حديث طاووس عن ابن عباس. وفيه نحو ما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>