للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تنازَعَ العلماءُ (١) بعدَه في جَوازِ هذا الوَجْهِ هَلُمَّ جرًّا؛ وذلك أنْ يُهِلَّ الرجلُ بالحجِّ، حتى إذا دخَل مكةَ فسَخَ حجَّه في عُمْرَةٍ، ثم حَلَّ وأقامَ حلالًا حتى يُهِلَّ بالحجِّ يومَ التَّرْوِيَةِ. فهذا هو الوجهُ الذي تَواتَرتِ الآثارُ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، أنَّه أمَر أصْحابَه في حَجَّتِه؛ مَن لم يكنْ معه منهم هَدْيٌ، ولم يَسُقْه، وقد كان أحْرَم بالحَجِّ، أن يَجعَلَها عُمْرَةً.

وقد أجمَع العلماءُ على تَصْحيح الآثارِ بذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - ولم يدْفَعوا شيئًا منها، إلَّا أنَّهم اخْتَلَفوا في القولِ بها والعَمَلِ؛ لعِلَلٍ نَذْكُرُها إن شاء الله. فجمهورُ أهلِ العِلْم على تَرْكِ العَمَل بها؛ لأنَّها عندَهم خُصوصٌ خَصَّ بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أصْحابَه في حَجَّتِه تلك؛ لعِلَّةٍ قالها ابنُ عباسٍ رَحِمَه الله، قال: كانوا يَروْنَ العمرةَ في أشهرِ الحجِّ مِن أفجرِ الفُجور، ويجعَلون المحرمَ صفرًا (٢)، ويقولونَ: إذا برَأ


= واللفظ المذكور أخرجه أبو عوانة في المستخرج ٢/ ٣٣٨ (٣٣٤٩)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٢/ ١٤٦ (٣٦٨٦) من طريق مكي بن إبراهيم، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبيه عمر رضي الله عنهما. وسيأتي بإسناد المصنّف من هذا الوجه في سياق شرحه لحديث ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن عليّ بن أبي طالب في موضعه إن شاء الله تعالى.
(١) في الأصل: "الناس"، والمثبت من بقية النسخ.
(٢) في الأصل "صفر" من غير ألف على أنه ممنوع من الصرف، ولعلّ هذا على مقتضى ما وقع في بعض نسخ الصَّحيحين كما أفاد شرّاحه، فقال النَّووي في شرحه على مسلم ٨/ ٢٢٥: "صفر، هكذا هو في النُّسخ (صفر) من غير ألف بعد الراء، وهو منصوبٌ مصروفٌ بلا خلافٍ، وكان ينبغي أن يكتب بالألف، وسواءٌ كُتب بالألف أو بحذفها لا بُدَّ من قراءته هنا منصوبًا لأنه مصروف".
وحكى ابن سِيْده صاحب المحكم ٨/ ٣٠٧ وغيرُه من أصحاب كتبت اللغة والمعاجم عن ثعلب قوله: "الناس كلُّهم يصرفون صفرًا إلّا أبا عُبيدة فإنه قال: لا ينصرف، فقيل له: لمَ لا تصرفُهُ؟ لأنّ النحويِّين قد أجمعوا على صرفه وقالوا: لا يَمنع الحرفَ من الصَّرف إلّا علّتان، فأخبِرْنا بالعلَّتين فيه حتّى نتَّبعَك، فقال: نعم، العِلّتان: المعرفةُ والساعةُ" وقد فسَّر أبو عمر المطرّزي مراد أبي عُبيدة فقال: "أراد أنّ الأزمنة كلَّها ساعات، والساعاتُ مؤنَّثة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>