للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو لا يقولُ هذا، ولا أحدٌ من أصحابه، وهذه مُناقَضةٌ، وكذلك يَلزمُه ألّا يُحرِّمَ ما لم يُذكَرِ اسمُ اللَّه عليه عمدًا، ويَستحِلَّ الخمرَ المحرَّمةَ عندَ جماعةِ المسلمين، وقد أجمَعوا أنَّ مُستَحِلَّ خمرِ العِنَبِ المُسكِرِ كافرٌ مُرتدٌّ (١)، يُستَتابُ، فإن تابَ ورجَع عن قوله، وإلّا استُبيح دمُه كسائرِ الكفار.

وفي إجماع العلماءِ على تحريم خمرِ العِنَبِ المُسْكِرِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد وجَد فيما أُوحيَ إليه محُرَّمًا غيرَ ما في سورة "الأنعام"، مما قد نزَل بعدَها من القرآن، وكذلك ما ثبَت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- من تحريم الحُمُرِ الأهليّة.

ومَن فرَّق بين الحُمُرِ وبينَ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع فقد تَناقضَ، والنهيُ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع أصحُّ مخرجًا، وأبعدُ من العِلَل، من النَّهي عن أكلِ الحُمُرِ الأهليّة؛ لأنه قد رُوِيَ في الحُمُرِ أنّه إنّما نهاهُم عنها يومَ خيبر؛ لقلَّةِ الظَّهر (٢). وقيل: إنّه إنّما نهى منها عن الجلّالةِ التي تأكُلُ الجِلّة، وهي العَذِرَةُ وسائرُ القَذَر (٣). قد قال بهذا وبهذا قومٌ، ولا حُجَّةَ عندَه ولا عندَنا فيه؛ لثبوتِ


(١) نقل هذا الاتفاق ابن حزم في مراتب الإجماع ص ١٣٦.
(٢) يُروى هذا التعليل في تحريم لحوم الحُمر الأهليّة عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنهما، على الشَّكِّ منه في ذلك، فيما أخرجه البخاري (٤٢٢٧)، ومسلم (١٩٣٩) من طريق عامر بن شراحيل الشعبيِّ، عنه، قال: "لا أدري أنهى عنه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أجْل أنه كان حَمُولة الناس، فكَرهَ أن تذهبَ حمولتُهم، أو حرّمه في يوم خيبرَ لحومَ الحُمر الأهليّة".
(٣) يُروى هذا عن سعيد بن جُبير من قوله، أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ٤/ ٥٢٣ (٨٧٢٢)، وابن ماجة (٣١٩٢) من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن عبد اللَّه بن أبي أوْفى، وذكر فيه نهيَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أكْلِها. وفي آخره قول أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيبانيّ: "فذكرت ذلك لسعيد بن جُبير فقال: إنما نهى عنها، أنها كانت تأكل العَذِرة".
وهو عند البخاري (٤٢٢٠) ولكن بلفظ: "وقال بعضُهم" بدل سعيد بن جُبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>