للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نهيِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك مُطلقًا وصحَّتِه (١)، وأنَّ ما رُويَ مما ذكَرنا لا يَثبُتُ. وسيأتي القولُ في الحُمُرِ مُستَوعَبًا في بابِ ابنِ شهابٍ من كتابِنا هذا (٢).

وأظنُّ قائلَ هذا القولِ من أصحابِنا في أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع، راعَى اختلافَ العلماء في ذلك، ولا يجوزُ أنْ يُراعَى الاختلافُ عندَ طلبِ الحجَّةِ؛ لأنَّ الاختلافَ ليس منه شيءٌ لازمٌ دونَ دليل، وإنّما الحُجَّةُ اللازمةُ الإجماعُ لا الاختلافُ؛ لأنَّ الإجماعَ يجبُ الانقيادُ إليه؛ لقولِ اللَّه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الآية [النساء: ١١٥]. والاختلافُ يجبُ طلبُ الدليل عندَه من الكتابِ والسُّنّة، قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآيةَ [النساء: ٥٩]. يريدُ الكتابَ والسُّنّة. هكذا فسَّرَه العلماء.

فأما قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآيةَ [الأنعام: ١٤٥]، فقد اختلَف العلماءُ في معناها؛ فقال قومٌ من فقهاءِ العراقيِّين ممّن يُجيزُ نسخَ القرآن بالسُّنة: إنَّ هذه الآيةَ منسوخةٌ بالسُّنَّة؛ لنهي رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن


(١) وهذا ما دلَّ عليه حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه بقوله: "إنّ اللَّه عزّ وجل ورسوله ينهيانكم عن الحُمر الأهليّة، فإنه رِجْسٌ من عمل الشيطان".
أخرجه أحمد في المسند ١٩/ ١٣٩ (١٢٥٨٦)، والبخاري (٤١٩٨)، ومسلم (١٩٤٠) (٣٤) من حديث محمد بن سيرين، عنه، به.
وكذلك دلَّ عليه حديث ابن عمر رضي اللَّه عنه، أخرجه أحمد في المسند ٨/ ٣٤٣ - ٣٤٤ (٤٧٢٠)، والبخاري (٥٥٢٢) من حديث نافع مولاه، عنه.
(٢) في أثناء شرح الحديث الأول له عن أبي إدريس الخولانيّ، وهو في الموطأ ١/ ٦٤٠ (١٤٣٣)، وسيأتي في موضعه إن شاء اللَّه تعالى، وينظر ما سيأتي في أثناء شرح الحديث السادس عشر لزيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو في الموطأ ١/ ٦٤٣ (١٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>