أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع، وعن أكلِ الحُمُرِ الأهليّة (١). وقال آخرون: معنى قولِه هنا، أنِّي لا أجدُ فيما أُوحيَ إليَّ في هذه الحال، يعني في تلك الحالِ حالِ الوحي ووقْتِ نُزولِه؛ لأنّه قد أُوحيَ إليه بعدَ ذلك في سورة "المائدة" من تحريم المُنخَنِقَةِ والموقُوذةِ إلى سائرِ ما ذُكرَ في الآية، فكما أوحَى اللَّهُ إليه في القرآنِ تحريمًا بعدَ تحريم، جازَ أنْ يُوحَى إليه على لسانِه تحريمًا بعدَ تحريم، وليس في هذا شيءٌ من النَّسخ ولكنَّه تحريمُ شيءٌ بعدَ شيء.
قالوا: مع أنه ليس للحمارِ والسِّباع وذي المِخلَبِ والنَّابِ ذكرٌ في قولِه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}. وذلك أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ إنّما ذكَر ثمانيةَ أزواج؛ من الضَّانِ اثنين، ومن المَعْزِ اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقرِ اثنين، ثم قال:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ}. يعني، واللَّهُ أعلم، من هذه الأزواج الثمانية، {مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}. فزادَ ذِكْرَ لحم الخنزيرِ تأكيدًا في تحريمِه حيًّا وميِّتًا؛ لأنَّه ما حَرِّمَ لَحْمَهُ لم تَعملِ الذَّكاةُ فيه، فكان أشدَّ من الميتة، ولم يذكُرِ السِّباعَ والحميرَ والطَّيرَ ذا المِخلبِ بتحليلٍ ولا تحريم.
وقال آخرون: ليس السِّباعُ والحمرُ من بهيمةِ الأنعام التي أُحلَّتْ لنا، فلا يُحتاجُ فيها إلى هذا.
(١) ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ٤٣٢، والمصفّى بأكفّ أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ لابن الجوزي ص ٣٣ - ٣٤، قال: زعم بعضُهم أنها نُسخت فإنها -يعني الآية- حرّمت لحوم الحمر الأهلية وكلّ ذي نابٍ من السباع ومِخْلبٍ من الطير، وهذا لا يصحُّ، لأنّ السُّنة لا تنسخ القرآن، والصواب أن يُقال: هذه نزلت بمكة ولم تكن الفرائض قد تكاملت ولا المحرّمات، فأخبرت عن المحرَّمات في الحالة الحاضرة والماضية، لا عن المستقبلة، فيؤكد إحكامها أنها خبرٌ"، وسيُشير المصنِّف إلى هذا المعنى قريبًا.