للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا فُدَيْكُ، أقِم الصلاةَ، وآتِ الزكاةَ، واهْجُرِ السُّوءَ، واسْكُنْ مِن أرضِ قومِكَ حيثُ شِئْتَ، تكنْ مُهَاجِرًا".

وقال الحكمُ بنُ عُتَيبةَ: أفْضَلُ الجهادِ والهجرةِ كلمةُ عدلٍ عندَ إمام جائرٍ.

وقد قيل: إنَّه لم تكنْ هجرةٌ مُفْتَرضةٌ بالجملةِ على أحدٍ إلَّا على أهلِ مكةَ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ افْترَض عليهم الهِجْرَةَ إلى نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - حتى فَتح عليه مكةَ، فقال حينَئِذٍ: "لا هجرةَ بعدَ الفتح، ولكنْ جهادٌ ونيَّةٌ". فمَضَتِ الهِجرةُ على أهلِ مكةَ، لكن (١) مَن كان مهاجِرًا لم يَجزْ له الرُّجوعُ إلى مكةَ واسْتِيطانُها وتركُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، بل افْتُرِض عليهم المُقَامُ معه، فلما مات - صلى الله عليه وسلم - افْتَرقوا في البُلْدانِ، وقد كانوا يَعُدُّون مِن الكبائِر أن يَرْجِعَ أعرابيًّا بعدَ هِجْرِتِه (٢).

وهذا الحديثُ يَدُلُّ على أنّ قولَه: "لا هجرةَ بعدَ الفتح"؛ أيْ: لا هجرةَ مُبتَدَأةً يَهجُرُ بها المرءُ وطنَه هِجْرَانًا لا يَنْصَرفُ إليه، مِن أهل مكةَ؛ قريشٍ خاصَّةً، بعدَ الفتح، وأمَّا مَن كان مُهاجِرًا منهم، فلا يجوزُ له الرُّجُوعُ إليها على حالٍ مِن الأحوالِ ويَدَعُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا بَيِّن فيما ذكرنا إن شاء الله.


(١) حرف الاستدراك هذا سقط من م.
(٢) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلّام في الأموال (٥٣٥)، والبخاري في التاريخ الكبير ٧/ ١٣٥ (٦١٢)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٧/ ٤٩ (٢٦٣٩)، وابن حبّان في صحيحه ١١/ ٢٠٢ (٤٨٦١)، والطبراني في الأوسط ٣/ ٦ (٢٢٩٨)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (١٢١٤)، وابن مندة في معرفة الصحابة ص ٢٥٣ - ٢٥٤، والبيهقي في الكبرى ٩/ ١٧ (١٨٢٢٩) من طرق عن محمد بن شهاب الزُّهريّ، به. وإسناده ضعيف لجهالة حال صالح بن بشير بن فُديك، قال ابن معين كما في رواية الدوري ٣/ ٨٢ (٣٣٨): "لم يرو أحدٌ علمناه عن صالح بن بشير بن فديك إلّا الزهري"، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في الجرح والتعديل ٤/ ٣٩٥ (١٧٢٩): "روى عن أبيه، روى عنه الزُّهري"، وقال الذهبي في الميزان ٢/ ٢٩٠ (٣٧٧٤): "فشيخٌ للزُّهري ما ضعِّف".

<<  <  ج: ص:  >  >>