للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بَقِي مِن الهجرةِ بابٌ باقٍ إلى يوم القيامةِ، وهو المسلمُ في دارِ الحربِ إذا أُطْلِقَت أَسْرَتُه، أو كان كافرًا فأسْلَم، لم يَحلَّ له المُقامُ في دارِ الحربِ، وكان عليه الخرُوجُ فرضًا واجِبًا. قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا بَرِيءٌ مِن كلِّ مسلم مع مشرِكٍ" (١). وكيف يجوزُ لمسلم المُقَامُ في دارٍ تَجرِي عليه فيها أحكامُ الكفر، وتكونُ كلمتُه فيها سُفْلى ويَدُه وهو مسلمٌ؟ هذا لا يجوزُ لأحَدٍ.

وفيه: دليلٌ على قطعِ الذرائع في المحرَّماتِ؛ لأنَّ سعدًا وإن كان مريضًا، فرُبَّما حمَل غيرَه حُبُّ الوَطنِ على دَعْوَى المرضِ، فلذلك قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ أمْضِ لأصحابي هِجرتَهم ولا تَرُدَّهم على أعقابِهم، لكنّ البائِسَ سعدُ بنُ خَوْلَة".


(١) أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم ٦/ ٣٧، وسعيد بن منصور في سننه (٢٦٦٣)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٧٧٨٥)، والنسائي في المجتبى (٤٧٨٠)، وفي الكبرى ٦/ ٣٤٧ (٦٩٥٦)، وابن أبي عاصم في الدِّيّات، ص ٥٠، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٨/ ٢٧٤ (٣٢٣٣)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ١٣٠ (١٦٩١١) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم مرسلًا.
ورواه الطبراني في الكبير ٢/ ٣٠٣ (٢٢٦٥) من هذا الطريق موصولًا من حديث جرير بن عبد الله البَجَليّ باللفظ نفسه.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ٤/ ١١٩: "وصحَّح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم".
وأخرجه أبو داود (٢٦٤٥)، والترمذي (١٦٠٤) من طريق أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، عن إسماعيل بن أبي خالد به، عن جرير بن عبد الله البجلي بلفظ: "أنا بريءٌ من كل مسلم يُقيم بين أظهُرِ المشركين"، قالوا: يا رسول الله، لمَ قال: "لا تَراءَى ناراهُما".
وقد نقل الترمذيُّ أيضًا في العلل الكبير ص ٢٦٤ (٤٨٣) قول البخاريِّ فيه "الصحيح عن قيس بن أبي حازم مرسلًا"، وكذا نقل بن أبي حاتم في علله ٣/ ٣٧٠ - ٣٧١ (٩٤٢) عن أبيه قوله: "ومرسلٌ أشبَهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>