للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال ابنُ وَهْبٍ وغيرُه عن مالكٍ: إن أحبَّ صاحبُ السِّلعةِ أن يرُدَّ ما قَبَض مِن الثمنِ وَيقْبِضَ سِلْعَتَه كان ذلك له، وإن أحَبَّ أنْ يُحاصَّ الغُرماءَ (١) كان ذلك له.

وقال أشْهَبُ: سُئل مالِكٌ عن رجلٍ باع مِن رجلٍ عبدَينِ بمئةِ دينارٍ، وانتقَد مِن ذلك خمسين، وبَقِيتْ على الغريم خمسون، ثم أفلَس غريمُه، فوجَد عندَه بائعُ العبدينِ منه أحَدَ عَبْدَيْه بعينِه، وفات الآخرُ، فأراد أخْذَه بالخمسين التي بَقِيتْ له على غريمِه، وقال: الخمسون التي أخَذْتُ ثمنُ العبدِ الذاهبِ. وقال الغُرماءُ: بل الخمسونَ التي أخَذْتَ ثمنُ هذا. فقال مالكٌ: إن كان قيمةُ العبدَينِ سواءً، ردَّ نصفَ ما اقْتَضَى وهو خمسةٌ وعشرونَ دينارًا، وأخَذَ العبدَ، وذلك أنه إنَّما اقْتَضَى مِن ثَمَنِ كلِّ عَبْدٍ خمسةً وعشرين دينارًا، فليس عليه أنْ يرُدَّ إلَّا ما اقْتَضَى. قال: ولو كان باعَه عبدًا واحدًا بمئة دينار، فاقْتَضَى مِن ثمنِه خمسين دينارًا، رَدَّ الخمسين إن أحبَّ وأخَذ العبدَ، وكذلك العملُ في روَايَا (٢) الزيتِ وغيرِها على هذا القياس (٣).

وقال الشافعيُّ: لو كانتِ السِّلعةُ عبدًا، فأخَذ نصفَ ثمنِه، ثم أفلسَ الغَريمُ، كان له نِصفُ العبدِ؛ لأنه بعينِه، وبيعَ النصفُ الثاني الذي بَقيَ للغريم لغُرمائِه، ولا يَرُدُّ شيئًا ممَّا أخَذَ؛ لأنه مُسْتَوْفٍ لما أخَذ، ولو زعَمْتَ أنَّه يَرُدُّ شيئًا ممَّا أخَذ، جعَلْتُ له أنْ يَرُدَّ الثمنَ كلَّه لو أخَذَه، ويأْخُذَ سِلْعَتَه، ومَن قال هذا فقد خالَف السنةَ والقياسَ (٤).

وقال في المسألةِ التي ذكَرناها عن أشْهَبَ، عن مالكٍ: إنَّ صاحبَ العبدِ أحَقُّ به


(١) أي: أن يقتسموا المال بينهم بالحِصَص. تهذيب اللغة ٣/ ٢٥٩.
(٢) الروايا: جمع راوية، وهي المَزادة هنا، قال الجوهري: والراوية: البعير أو البغل أو الحمار الذي يُستقى عليه. والعامّةُ تسمّي المَزادة راوية، وذلك جائز على الاستعارة، والأصل ما ذكرناه. الصحاح (ر و ى).
(٣) ينظر فيما سبق عن مالك: المدونة (باب في المفلس يُقِرُّ بالدِّين) ٤/ ٧٧، وبداية المجتهد لابن رشد كتاب التفليس ٤/ ٦٧ - ٦٩.
(٤) نصَّ على ذلك في الأمّ ٣/ ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>