للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن الغُرماءِ إذا كانَ قيمةُ العبدَينِ سواءً؛ مِن قِبَلِ أنه وجَد عينَ مالِه بعينِه عندَ مُعْدَم، والذي قبَض مِن الثمنِ إنَّما هو بَدَلٌ لما فات، إذا كانتِ القيمةُ سواءً، ثم يأْخُذُ عينَ مالِه؛ لأنه لم يَقبِضْ منه شيئًا (١). وقال جماعةٌ مِن العلماءِ: إذا اقْتَضَى مِن ثمنِها شيئًا، فهو أُسوةُ الغُرماءِ، وسواءٌ كانتِ السِّلعةُ شيئًا واحدًا أو أشياءَ كثيرةً. وبهذا قال أحمدُ بنُ حنبل؛ وحُجَّتُه ما ذُكِر في الحديثِ المذكورِ في هذا الباب قولُه: "ولم يَقْبِضِ البائعُ مِن ثمنِها شيئًا، فهو أُسوةُ الغُرماءِ"، فجعَل شرطَ كونِه أحَقَّ بها إذا لم يَقْبِضْ مِن ثمنِها شيئًا، فوجَب أن يكونَ حُكْمُه إذا قبَض مِن ثمنِها شيئًا بخلافِ ذلك (٢).

ومسائلُ التَّفْليسِ كثيرةٌ، وفروعُها جَمَّةٌ؛ نحوَ تَغَيُّرِ السِّلعةِ عندَه بزِيادةٍ أو نُقصانٍ، أو ولادةِ الحيوانِ، أو خَلْطِها بغيرِها، أو اخْتِلافِ سُوقِها، وليس يَصلُحُ بنا في هذا الموضع ذكرُها.

واخْتلَف مالكٌ والشافعيُّ أيضًا في المفلسِ يموتُ قبلَ الحُكْم عليه وقبلَ تَوقِيفِه فقال مالكٌ: ليس حُكْمُ الفَلَسِ (٣) كحُكْم الموتِ، وبائعُ السِّلعةِ إذا وجَدها بعينِها أُسوةُ الغُرماء في الموتِ، بخِلافِ الفَلَس (٤)، وبهذا قال أحمدُ بنُ حنبلٍ (٥). وحُجَّةُ مَن قال بهذا القولِ حديثُ ابنِ شهابٍ عن أبي بكرٍ بنِ عبدِ الرحمنِ المذكورُ في هذا البابِ، وفيه النصُّ على الفرقِ بينَ الموتِ والفَلَسِ، وهو قاطِعٌ لموضع الخلافِ. ومن جهةِ القياسِ، بينَهما فَرْقٌ آخرُ؛ وذلك أن المُفْلِسَ يُمكِنُ أن تَطْرَأ له ذِمَّةٌ، وليس الميِّتُ كذلك.


(١) ينظر: الأُمّ للشافعي ٣/ ٢٠٥.
(٢) ينظر: المغني لابن قدامة ٤/ ٤٠٣ - ٤٠٥.
(٣) في الأصل: "المفلس"، والمثبت من بقية النسخ، وهو الصواب.
(٤) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة لأبي القاسم القيرواني ٣/ ٦٤٣، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٧١.
(٥) ينظر: المغني لابن قدامة ٤/ ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>