للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة (١): إذا ذَبَحه الحلالُ فلا بأسَ بأكْلِه للمحرمِ وغيره، وإنْ ذَبَحه مُحرِمٌ لم يجُزْ لأحدٍ أكْلُه. ورُوي عن الثوريِّ كراهةُ أكْلِه إذا ذُبِح من أجلِ المحرمِين، ورُوي عنه إباحتُه، ورُوي عنه أيضًا إباحةُ ما ذبَحه المحرمُ للحلالِ.

وللشافعيِّ (٢) فيه قَوْلان؛ أحدُهما: أنه لا يجوزُ للمحرم أكْلُ ما صِيدَ من أجْلِه، وعليه الجزاءُ إن أكَلَه، مثلُ قولِ مالكٍ. وقولٌ آخَرُ: لا جَزاء عليه، وما ذَبَحه المحرمُ لم يجُزْ أكْلُه لأحَدٍ، إلا لمن تحِلُّ له الميتَةُ.

ورُوي عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وابنِ عباسٍ، وابنِ عمرَ، أنه لا يجوزُ للمحرم أكْلُ لحم صَيْدٍ على حالٍ من الأحوالِ، سواءٌ صِيد من أجْلِه أو لم يُصدْ (٣)؛ لعُمُوم قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦]. قال ابنُ عباسٍ: هي مُبْهَمَةٌ (٤). وبهذا القولِ يقول طاوسٌ، وجابرُ بنُ زيدٍ أبو الشَّعْثَاء، ورُويَ ذلك عن الثوريِّ، وبه قال إسحاقُ بنُ راهُويَة (٥).

وكان عمرُ بنُ الخطابِ، وأبو هريرةَ، والزُّبيرُ بنُ العوام، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، يرَوْن للمحرم أكْلَ الصيْدِ على كلِّ حالٍ إذا اصطاده الحلالُ، سواءٌ صِيد من أجْلِه أو لم يُصدْ (٦). وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه، لظاهِرِ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]. فحَرَّم صَيْدَه وقَتْلَه على المُحرِمينَ دونَ ما صاد غيرُهم.


(١) مختصر اختلاف العلماء ٢/ ١٢٥، وفيه سرد أقوال؛ الثوري، والشافعي ومالك وغيرهم.
(٢) انظر تفاصيل أقوال الشافعي في القديم والجديد، والرَّاجح منها عند النَّووي في المجموع ٧/ ٣٠٧ فما بعدها.
(٣) ذكر ذلك البيهقي في السنن الكبرى ٥/ ١٩٤ وعزاه لعليٍّ وابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) أخرجه عبد الرَّزاق في المصنَّف (٨٣٣٠)، وسعيد بن منصور في التفسير من السنن (٧٩٠)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (١٤٦٩٣) وغيرهم.
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/ ٣٢٢.
(٦) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>