للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي عوَّلَ عليه الشافعيُّ وأصحابُه في هذا البابِ، حديثُ ابنِ عبّاسٍ في قصَّةِ الخَثْعَميَّة، وبه استدَلوا على أنَّ الحجَّ فَرْضٌ واجِبٌ في المالِ، قالوا: وأمَّا البَدَنُ فمُجْتَمَع عليه. والنكتَةُ التي بها استَدَلوا، وعليها عوَّلُوا، قولُ المرأةِ في هذا الحديثِ: إنَّ فَرِيضَةَ الله في الحجِّ على عِبَادِه أدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كبيرًا لا يستَطِيعُ أن يَثْبُتَ على الراحلةِ. فأخبرَتْه أنَّ الحجَّ إذا (١) فُرِضَ على المسلمين، كان أبوها في حالٍ لا يَسْتَطيعُه ببَدَنِه، فأخبرَها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّه يُجزئُه أن تحُجَّ عنه، وأعْلَمَها أنَّ ذلك كالدَّيْنِ تَقْضِيه عنه، فكان في هذا الكلام مَعَانٍ؛ منها: أنَّ الحجَّ وجَبَ عليه كوُجُوبِ الدَّيْنِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الدَّيْنَ واجبٌ في المالِ لا في البَدَنِ، ومنها: أنَّ عَمَلَها في ذلك يُجزِئ عنه، فدَلَّ على أنَّ ذلك ليس كالصلاةِ التي لا يعْمَلُها أحَدٌ عن أحَدٍ. ومنها: أنَّ الاستطاعَةَ تكونُ بالمالِ، كما تكونُ بالبَدَنِ. واحتَجُّوا مِن الآثارِ بكُلِّ ما ذُكِرَ فيه تَشْبِيهُ الحجِّ بالدَّيْنِ، وسنَذْكُرُها في هذا البابِ إن شاء الله.

وأجمَعَ علماءُ المسلمين أنَّ الحجَّ غيرُ واجِبٍ على من لَمْ يَبْلُغ مِنَ الرجالِ والنساء (٢). وقال داودُ: الحجُّ واجِبٌ على العَبْدِ. وقال سائِرُ الفقهاء: لا حَجَّ عليه (٣).

وقال الشافعيُّ (٤): "الاسْتِطاعَةُ على وجهين، أحدُهما: أن يكونَ مُستَطيعًا ببَدَنِه، واجِدًا من مَالِه ما يُبَلِّغُه الحجَّ بزادٍ وراحِلَةٍ. واحتَجَّ بحديثِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المذكُور. قال: والوجْهُ الآخَرُ، أن يكونَ مَعْضُوبًا ببَدَنِه لا يَقْدِرُ أن يَثْبُتَ على


(١) في م: "إذ"، والمثبت من النسخ كافة، ولها وجه في العربية، تكون ظرف زمان في محل نصب، بمعنى حين، فإذا و"إذ" في هذا المقام سواء.
(٢) الإجماع لابن المنذر، ص ٦٨ (٢١٠).
(٣) قال النَّووي في المجموع ٧/ ٤٣: وأجمعت الأمة على أنَّ العبد لا يلزمه الحج، لأنَّ منافِعه مستحقَّةٌ لسيده.
(٤) الأم ٢/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>