للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مالكٌ: يجوزُ أنْ يَحجَّ عن الميِّتِ مَن لَمْ يحُجَّ قَطُّ، ولكنَّ الاختيارَ أنْ يحُجَّ عن نَفْسِه أوَّلًا. وهو قولُ أبي حنيفةَ، والثَّوْرِيِّ، والأوزاعيِّ.

وقال الحَسَنُ بنُ صالح: لا يحُجُّ عن الميِّتِ إلَّا مَن قد حَجَّ عن نَفْسِه، ويُكرَهُ أنْ تحُجَّ المرأةُ عن الرجلِ، ولا يُكرَهُ أن يحُجَّ الرجلُ عن المرأةِ؛ لأنَّ المرأةَ تَلْبَسُ، والرجلَ لا يَلْبَسُ (١).

وقال الشافعيُّ (٢): لا يحُجُّ عن الميِّتِ إلَّا مَن قد حَجَّ عن نَفْسِه، فإنْ حَجَّ عن الميِّتِ صَرُورَةٌ (٣)، كانت نيَّتُه للنَّفْلِ لغْوًا. وقال الشافعيُّ (٤): جائزٌ أنْ يُؤاجِرَ نَفْسَه في الحجِّ، ولستُ أكْرَهُه.

وقال مالكٌ (٥): أكْرَهُ أنْ يُؤجرَ نَفْسَه في الحجِّ، فإنْ فَعَلَ جازَ. وهو قولُ الشافعيِّ في روايةٍ، وعندَ أبي حنيفةَ: لا يجُوزُ، ومن حُجَّتِه أنَّ الحجَّ قُرْبَةٌ إلى الله عزَّ وجلَّ، فلا يَصِحُّ أنْ يعْمَلَه غيرُ المُتَقَرِّبِ به. قال بعضُ أصحابِه: ألا تَرى أنَّه لا يجوزُ بإجماع أنْ يُسْتَأجَرَ الذِّمِّيُّ أنْ يحُجَّ عن مسلم؛ وذلك لأَنه قربةٌ للمسلم؟

ومن حُجَّةِ مالكٍ والشافعيِّ على جوازِ ذلك: إجماعُهم على كتابِ المُصحَف، وبِناء المَسْجد، وحَفْرِ القُبورِ، وصِحَّةِ الاستئجارِ في ذلك، وهو قُرْبَةٌ إلى الله عزَّ وجلَّ، فكذلك عَمَلُ الحجِّ عن الغَيْرِ والصَّدَقاتُ قُرْبَةٌ إلى الله عزَّ وجلَّ، وقد أباحَ اللهُ للعامِلِ عليها أنْ يأخُذَ منها على قَدْرِ عَمَلِه، ولا مَعْنَى لاعْتِبارِ الإجماع


(١) مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٩٤.
(٢) مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٩٥.
(٣) الصَّرورة: التبتل وترك النِّكَاح، ويراد بها أيضًا: الذي لَمْ يحج قط وهو المراد. انظر: النهاية في غريب الحديث ٣/ ٢٢.
(٤) انظر: الأم ٢/ ١٢٧.
(٥) انظر: النوادر والزِّيادات ٢/ ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>