والنَّهارُ الذي يجِبُ صيامُهُ: من طُلُوع الفجرِ، إلى غُرُوبِ الشَّمسِ. على هذا إجماعُ عُلماءِ المُسلِمين، فلا وجهَ للكلام فيه، وأمّا قولُ أُميَّة بن أبي الصَّلت (١):
فهذا على القُربِ، لا على الحَقِيقةِ، والعربُ تُسمِّي الشَّيءَ باسم ما قَرُب منهُ، ومن هذا قولُ الله عزَّ وجلَّ:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ ... } الآيةَ [الطلاق: ٢]، وهذا على القُربِ عندَ الجميع، لا على القُربِ الحقيقيِّ. وليستِ الأشعارُ واللُّغاتُ مِمّا يثبُتُ بها شريعةٌ ولا دينٌ، ولكنَّها يُسْتشهدُ بها على أصلِ المعنى المُسْتَغلقِ إنِ احْتِيجَ إلى ذلك، واللهُ أعلمُ، وبه التَّوفيقُ.
وقولُ ابن شِهاب: وكان ابنُ أُمِّ مكتُوم رَجُلًا أعْمى لا يُنادي حتّى يُقالَ لهُ: أصْبَحتَ أصْبَحتَ، معناهُ أيضًا: المُقاربةُ، أي: قاربتَ الصَّباحَ، وهذا على ما فسَّرَ العُلماءُ مِمّا ذكرنا في قوله:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} يُريدُ بالبُلُوغ هاهُنا، مُقاربةَ البُلُوغ، لا انقِضاءَ الأجل؛ لأنَّ الأجلَ لو انقَضَى - وهُو انْقِضاءُ العِدَّةِ - لم يَجُز إمساكُهُنَّ، وهذا إجماعٌ لا خِلاف فيه، فدلَّ على أنَّ قُربَ الشِّيءِ قد يُعبَّرُ به عنهُ، والمُرادُ مفهُومٌ، وباللّه التَّوفيقُ.
ومعلُومٌ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يأمُرُ أصحابَهُ أن يأكُلُوا ويَشْربُوا حتّى يُؤذِّنَ من لا يُؤذِّن إلّا وقد أصْبَحَ، وإذا كان هذا معلومًا، صحَّ أنَّ معنى قولِ ابن شِهابٍ في ابن أُمِّ مكتُوم ما ذكرنا، من مُقاربةِ الصَّباح.
وقد أجمعَ العُلماءُ على أنَّ منِ اسْتَيقنَ الصَّباح، لم يَجُز لهُ الأكلُ ولا الشُّربُ بعدَ ذلك، وفي إجْماعِهِم على ذلك ما يُوضِّحُ ما ذكرناهُ.