للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ آخرُونَ إلى أنَّها فرضٌ واجِبٌ، قالوا: ولكِنَّها مخصُوصةٌ بأنْ لا يُنصَرَفَ إليها، وأن تُجبَرَ بسَجْدتي السَّهوِ، بدليلِ حديثِ ابن بُحَينةَ هذا، وما كان مِثلَهُ، وقالوا: هي فرضٌ (١) في نَفْسِها مخصُوصةٌ، كحُكم العَرايا (٢) من المُزابنةِ، والقِراضِ من الإجاراتِ.

وأجمعُوا أنَّهُ لا يُقاسُ عَملُ البدنِ في السَّهوِ عليها، إلّا فِرْقةً شذَّتْ وغلِطَت، واعتلُّوا أنَّها لو كانت سُنّةً، لما فسَدَتْ صلاةُ من تركها عامِدًا؛ لأنَّ السُّنن حُكمُها عِندهُم أنَّ من تركَ منها شيئًا (٣) عامِدًا، فقد قصَّر عن حِفظِ نفسِهِ، ولم يبلُغ حدَّ الكمال، ولا يَجِبُ عليهِ مع ذلك إعادةٌ. واستدلُّوا بأنَّ المضْمَضَةَ والاسْتِنشاقَ عندَ من لم يجعلهما فرضًا من العُلماءِ، لا تفسُدُ بتركِهِما صلاةُ من تركهُما عامِدًا، وهُما عندَ من لم يُوجِبهُما فرضًا من أوكدِ السُّننِ، وكذلك قِراءةُ السُّورة مع أُمِّ القُرآنِ، وهي سُنَّةٌ مسنُونةٌ، وكذلك التَّشهُّدُ عندَ من لم يُوجِبهُ فرضًا هُو سُنَّةٌ، ومِثلُ هذا كثيرٌ.

وقالوا: خرجتِ الجَلْسةُ الوُسطَى بدليلها من بينِ فُرُوضِ الصلاةِ، وانفردَتْ بحُكمِها؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خصَّها بذلك، كما خصَّ المأمُومَ إذا أحرمَ وراء إمامِهِ وهُو راكِعٌ، أن ينحَطَّ إلى رُكُوعِهِ بإثرِ إحرامِهِ، دُون أن يقِفَ، هذا مِمّا لا خِلافَ فيه بين العُلماءِ، والوُقُوفُ عليهِ لو كان مُنفرِدًا فرضٌ.

قالوا: ولمّا كانَ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما جُعِل الإمامُ ليُؤتَمَّ بهِ" (٤) يمنعُ المأمُومَ (٥) من أن يقِفَ بعدَ إحرامِهِ، ومن أن يجلِسَ في ثانيةٍ لهُ، وأن يقومَ بعدَ أُولَى لهُ، كان


(١) في م: "أصل".
(٢) في م: "بحكم كالعرايا".
(٣) سقطت من ض، م.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٩٦ (٣٥٨، ٣٥٩) من حديث أنس، وعائشة.
(٥) في ر ١: "الإمام".

<<  <  ج: ص:  >  >>