للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: أظُنُّ مالكًا رحِمهُ اللهُ، إنَّما قصَّرَ في "موطَّئه" عن ذِكرِ النَّهيِ عن الأكلِ من النُّسُكِ بعد ثلاثٍ في حديثِ عليٍّ هذا، من رِوايةِ مَعْمرٍ هذه، واللهُ أعلمُ؛ لأنَّ ذلك عِندهُ منسُوخ، وحديثُ عليٍّ بهِ في ذلك الوقتِ حينَ سمِعهُ أبو عُبيدٍ عملٌ، والعملُ بالمنسُوخ لا يجُوزُ، فلذلكَ أنكرهُ، وتركَ ذِكرهُ من هذا الوجهِ، وقد ذكَرْنا هذا المعنى وذكرنا النَّسخ فيه (١) بإسنادٍ واحِدٍ، وأسانيدَ مُختلِفةٍ، ومَضَى القولُ في ذلكَ، في بابِ ربيعةَ بن أبي عبدِ الرَّحمنِ، من كِتابِنا هذا (٢).

وأمّا تقصيرُ مالكٍ في ذِكرِ الأذانِ والإقامةِ، من حديثِ ابن شِهابٍ هذا، فلا أدري ما وجهُهُ، ولم يختلِفْ قولُهُ قطُّ، في أنْ لا أذانَ في العيدينِ ولا إقامَةَ، وذكر في "موطَّئه" (٣) أنَّهُ سمعَ غيرَ واحِدٍ من عُلمائهِم يقولُ (٤): لم يكُن في الفِطرِ ولا الأضْحَى نِداءٌ ولا إقامة، مُنذُ زَمنِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم.

قال مالكٌ: وتلكَ السُّنَّةُ التي لا اختِلافَ فيها عِندَنا.

قال أبو عُمر: رُوي من وُجُوهٍ شتَّى صِحاح عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ لم يكُن يُؤذَّنُ لهُ، ولا يُقامُ في العيدينِ: من حديثِ جابر بن عبدِ الله (٥)، وجابرِ بن سمُرةَ، وعبدِ الله بن عبّاسٍ، وابنِ عُمرَ، وسعدٍ (٦)، وهي كلُّها ثابِتةٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ صلَّى العيدَ بغيرِ أذانٍ ولا إقامة. وهُو أمرٌ لا خِلافَ فيه بين عُلماءِ المُسلِمينَ، وفُقهاءِ الأمصارِ، وجماعةِ أهلِ الفِقهِ والحديثِ، لأنَّها نافِلةٌ وسنَّةٌ غيرُ فريضة، وإنَّما أحدثَ فيهما


(١) سقط من ض، م.
(٢) هو في الموطأ ١/ ٦٢٣ - ٦٢٤ (١٣٩٤).
(٣) ١/ ٢٥٠ (٤٨٧).
(٤) في م: "يقولون".
(٥) سيذكر المؤلف حديثه لاحقًا، ويخرج في موضعه بإذن الله، وكذا ما بعده.
(٦) في ر ١: "سعيد"، وهو تحريف ظاهر. والحديث أخرجه البزار في مسنده (١١١٦) من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>