للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقراءةٍ، وإنَّما هي حديثُ النَّفْس بالذِّكرِ، وحديثُ النَّفْسِ مُتجاوَزٌ عنهُ، لأنَّهُ ليسَ بعمَلٍ يُؤاخَذُ عليه فيما نُهِي أن يعملَهُ، أو يُؤدِّي عنهُ فرضًا فيما أُمِرَ بعَمَلهِ.

وقال إسماعيلُ بن إسحاقَ القاضي: إن كانت قِراءةُ الإمام بغيرِ أُمِّ القُرآنِ، قِراءةً لمن خلفَهُ، فيَنْبغي أن تكونَ أُمُّ القرآنِ كذلكَ، وإن كانت لا تكونُ قِراءةً لمن خلفَهُ، فقد نقَصَ من خلفَ الإمام عمّا سُنَّ من القِراءةِ للمُصلِّينَ، وحُرِمَ من ثوابِ القِراءةِ بغير أُمِّ الكتابِ، ما لا يعلمُ مَبْلغهُ إلّا الله عزَّ وجَلَّ.

قال: والذي يُصلِّي خلفَ الإمام، حُكمُه في القِراءةِ حُكمُ من قَرَأ، إلّا أنَّ الله عزَّ وجَلَّ قد أشركَ بين القارئ وبينَ المُسْتمِع المُنْصتِ، فهُما شريكانِ في الأجرِ، وكذلكَ الذي يخطُبُ يومَ الجُمُعةِ والمُسْتمعُ لخُطْبتهِ. قال: وكذلكَ جاء عن عُثمانَ.

وقال آخرُونَ، منهم: سُفيان الثَّوريُّ، وابن عُيَينةَ، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، وأصحابه، والحسن بن حَيّ: لا يَقْرأ مع الإمام، لا فيما أسَرَّ، ولا فيما جهَرَ (١). وهو قولُ جابرِ بن عبدِ الله، وجماعةٍ من التّابعينَ بالعراقِ.

ورُوي ذلكَ أيضًا عن زيدِ بن ثابتٍ (٢)، وعليٍّ (٣)، وسعدٍ (٤). وهؤلاء ثبتَ ذلك عنهُم من جِهةِ الإسنادِ. واحتَجَّ من ذهَبَ هذا المذهَبَ، بأنْ قال: قولُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاةَ لمن لم يَقْرأ فيها بفاتحةِ الكِتابِ". خاصٌّ واقِعٌ على من صلَّى وحدهُ، أو كان إمامًا، فأمّا من صلَّى وراءَ إمام، فإنَّ قِراءةَ الإمام لهُ قراءةٌ.


(١) انظر: الاستذكار ١/ ٤٦٩.
(٢) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٣٨٠٤).
(٣) مصنَّف ابن أبي شيبة (٣٨٠٢).
(٤) مصنَّف ابن أبي شيبة (٣٨٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>