للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مالكٌ رحِمهُ الله: لَمْ يبلُغني أنَّ أبا بكرٍ، ولا عُمرَ، ولا عُثمانَ، ولا ابن المُسيِّبِ، ولا أحدًا من سَلَفِ هذه الأُمَّةِ اعتكفَ، إلّا أبا بكر بن عبدِ الرَّحمنِ، وذلكَ، واللّهُ أعلمُ، لشِدَّةِ الاعْتِكافِ (١).

ولو ذهَبَ ذاهِبٌ، إلى أنَّ الاعْتِكافَ للنِّساءِ مَكْرُوهٌ، بهذا الحديثِ، لكانَ (٢) مذهبًا، ولولا أنَّ ابن عُيَينةَ ذكَرَ فيه أنَّهُنَّ استأذنَّهُ في الاعتِكافِ، لقَطَعتُ بأنَّ الاعتِكافَ للنِّساءِ في المساجِدِ غيرُ جائزٍ، وما أظُنُّ اسْتئذانهُنَّ محفُوظًا، واللّه أعلمُ، ولكِنَّ ابن عُيينةَ حافِظٌ، وقد قال في هذا الحديثِ: سمِعتُ يحيى بن سعيدٍ.

وفي هذا الحديثِ من الفِقهِ: أنَّ الاعتِكافَ يُلزَمُ بالنِّيَّةِ، مع الدُّخُولِ فيهِ، وإن لَمْ يكُن في حديثِ مالكٍ ذِكرُ دُخُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلكَ الاعتِكافِ الذي قضاهُ؛ لأنَّ في رِوايةِ ابن عُيينةَ وغيرِهِ لهذا الحديثِ: أنَّ رسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ إذا أرادَ أن يعتكِفَ، صلَّى الصُّبحَ، ثُمَّ دخلَ مُعتكفهُ، فلمّا صلَّى الصُّبحَ، يعني في المسجِدِ، وهُو مَوْضِعُ اعْتِكافِهِ، نظرَ فرَأى الأخبيةَ. والاعْتِكافُ إنَّما هُو الإقامةُ في المسجِدِ، فكأنَّهُ، واللّهُ أعلمُ، كان قد شرَعَ في اعْتِكافِهِ، لكونِهِ في موضِع اعتِكافِهِ، مع عَقْدِ نيَّتِهِ على ذلكَ، والنِّيَّةُ هي الأصلُ في الأعمالِ، وعليها تَقَعُ المجازاتُ، فمن هُنا، واللّهُ أعلمُ، قَضى اعتِكافهُ ذلكَ في شوّالٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد ذكر سُنيدٌ، قال: حَدَّثَنَا مُعتمِرُ (٣) بن سُليمان، عن كَهْمَسٍ، عن سعيد (٤) بن ثابِتٍ، في قولِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ... }


(١) انظر: الاستذكار ٣/ ٣٩٧، وعمدة القاري بشرح البخاري للعيني ١١/ ١٤٠.
(٢) في م: "كان".
(٣) في م: "معمر"، خطأ. وهو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، أبو محمد البصري. انظر: تهذيب الكمال ٢٨/ ٢٥٠.
(٤) في م: "معبد"، خطأ. انظر: مصدر التخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>