للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشّافِعيُّ: يستأجِرُهُمُ الإمامُ من مالٍ لا مالكَ لهُ بعينِهِ، فإن لم يَفْعلْ أعطاهُم من سَهْم النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال في مَوْضع (١) آخرَ: يُرضَخُ للمُشرِكِينَ إذا قاتَلُوا مع المُسلمِينَ (٢).

قال أبو عُمر: قَدِ اتَّفقوا أنَّ العبدَ، وهُو مِمَّن يجُوزُ أمانُهُ، إذا قاتَلَ لم يُسهَمْ لهُ، ولكِنْ يُرضَخُ لهُ، فالكافِرُ أولى بذلكَ أن لا يُسهَمَ لهُ.

وفيه: جَوازُ العارِيةِ والاستِعارة، وجَوازُ الاستِمتاع بما استُعِيرَ، إذا كان على المعهُودِ مِمّا يُسْتعارُ مِثلُهُ. وحديثُ صَفْوانَ هذا في العارِيةِ أصلٌ في هذا البابِ.

وقدِ اختلفَ الفُقهاءُ في ضَمانِ العارِيةِ (٣).

فذهَبَ مالكٌ وأصحابُهُ، إلى أنَّ العارِيةَ أمانةٌ غيرُ مضمُونةٍ، إذا كانت حيوانًا، أو ما لا يُغابُ عليه، إذا لم يتَعدَّ المُستعِيرُ فيه، ولا ضيَّعَ، وكذلك ما يُغابُ عليه أمانةٌ أيضًا، إذا ظهَرَ هلاكُهُ، وصحَّ من غيرِ تَضْييع ولا تَعَدٍّ، فإن خَفِيَ هلاكُهُ ضُمنَ، ولا يُقبلُ قولُ المُستعِيرِ فيه، إذا ادَّعَى هَلاكهُ وذَهابهُ ولم يُقِم على ما قال بيِّنةً، ويُضمَنُ أبدًا إذا كان هكذا، ولا يُضمَنُ إذا كان هلاكُهُ ظاهِرًا مَعْرُوفًا، أو قامت به بيِّنةٌ بلا تَضْيِيع ولا تَفْرِيط. هذا هُو المشهُورُ من قولِ مالكٍ، وهُو قولُ ابن القاسم.

وقال أشهبُ: يَضْمَنُ كلَّ ما يُغابُ عليه، قامت بيِّنةٌ بهلاكِهِ أو لم تَقُم، وسَواءٌ هَلكَ بسببِهِ أو بغيرِ سببِهِ، يضمَنُ أبدًا؛ لأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لصَفْوان حِينَ استعارَ منهُ السِّلاح، وهُو مِمّا يُغابُ عليه: "بل عارِيةٌ مَضمُونةٌ مُؤَدّاةٌ" (٤).


(١) في م: "موضوع".
(٢) هذا كله من مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٤٣٠.
(٣) تنظر الأقوال الآتية في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٨٥ (١٨٧٦).
(٤) سيأتي قريبًا لإسناده، ويخرج في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>