للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: قد كانتِ البيعةُ على وُجُوهٍ:

منها: أنَّها كانت أوَّلًا على القِتالِ، وعلى أن يَمْنعُوهُ مِمّا يمنعُونَ منهُ أنفُسهُم وأبناءَهُم ونِساءَهُم، وعلى نحوِ ذلك كانت بَيْعةُ العَقَبةِ الثّانيةُ قبلَ الهِجْرةِ.

ثُمَّ لمّا هاجَرَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينةِ، بايعَ النّاسَ على الهِجْرةِ، وقال: "أنا بَرِيءٌ من كلِّ مُسْلم مع مُشرِك" (١)، فكان على النّاسِ فرضًا أن يَنْتقِلُوا إلى المدينةِ، إذ لم يكُن للإسلام دارٌ (٢) ذلكَ الوقتَ غيرَها، ويَدَعُوا دارَ الكُفرِ.

وعلى هذا، واللهُ أعلمُ، كانت بيعةُ هذا الأعرابيِّ المذكُورِ في هذا الحديثِ على (٣) الإسلام والهِجرةِ، فلمّا لحِقهُ من الوَعْكِ ما لحِقهُ، تَشاءَم بالمدينةِ وخرجَ عنها، مُنصرِفًا إلى وَطنِهِ من أهلِ الكُفرِ، ولم يَكُن مِمَّن رسخَ الإيمانُ في قلبِهِ، ورُبَّما كان من جِنْس الأعرابِ الذين قال الله عزَّ وجلَّ فيهم: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: ٩٧].

ولمّا فُتِحت مكّةُ، لم يُبايعْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا على الهِجْرةِ، وإنَّما كانتِ البَيْعةُ على الإقامَةِ بدارِ الهِجْرةِ قبلَ أن يفتحَ الله على رسُولِهِ مكّةَ.

وكان المعنى في البَيْعةِ على الهِجْرةِ: الإقامةُ بدارِ الهِجْرةِ، وهي المدينةُ، عندَ (٤) رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَياتِهِ، حتَّى يَصْرِفَهُم فيما يحتاجُ إليه من غَزْوِ الكُفّارِ، وحِفْظِ المدينةِ، وسائرِ ما يُحتاجُ إليه.


(١) سلف قريبًا التنبيه على موضع تخريجه.
(٢) في ظا: "ديار".
(٣) في م: "عن"، وهو تحريف.
(٤) كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>